whatsapp

آخر التعليقات

أحدث المواضيع

الثلاثاء، 3 أبريل 2018

مبادرات أممية للإجهاز على الثورة السورية، حقيقة الصراع، المخاطر، أساليب المواجهة ـ د. علا الشريف


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، والمهتدين بهديه إلى يوم الدين، وبعد..

فإنه حين بدا أن حلب على أبواب حصار قدم دي مستورا المبعوث الدولي مبادرته الأممية لتحييد حلب وتجميد جبهاتها، معلنًا أنها فرصة لإنقاذ حلب من مصير أسود شهدته قبلها حمص، ومبشرًا بمعونات وخدمات تخفف عن حلب محنتها، وتعيد الثورة إلى مسار الحوار السياسي من جديد!

فهل جاءت مبادرة دي مستورا فرصة لحلب حقًا؟ وما هو مضمون الحل السياسي المنشود؟ وهل هي مبادرة واحدة أم مبادرات؟؟ وكيف يراد منها أن تجهز على الثورة السورية؟؟ وهل من الممكن مواجهة هذه المبادرات والتصدي لها؟

هذه الأسئلة وغيرها تجيب عنها هذه الدراسة التي أريد منها أن تكون إستراتيجية لا سياسية تحليلية فقط.

المحتويات:1 ملخص:
2 1- من هو العدو؟؟
3 2- التهيئة وتعبيد الطريق:
4 3- مبادرات لا مبادرة، بل خارطة طريق:
5 4- دي مستورا يراهن على حلب:
6 5- المساومة على حلب وصناعة الفرص:
7 6- التحييد من طرف واحد:
8 7- دروس مستفادة وأساليب المواجهة:

مقدمة:
ترى الدراسة أن الأسد هو مجرد واجهة لمصالح دول استعمارية كبرى، وإن تحديد هوية العدو أهم عامل في تحديد طبيعة المعركة وإعداد العدة اللازمة لها.

لأن الغرب لم ينجح في صناعة معارضة معتدلة تكون بديلاً لنظام الأسد، حاول أن يوجد المخارج لتثبيت نظام الأسد في السلطة.

المساعي الدولية السياسية تبحث عن هذه المخارج عبر مبادرات متنوعة المضمون، والهدف منها إجهاض الثورة وإنهاكها، وتعزيز قدرات الأسد وصناعة فرص تسمح له بإحراز التقدم.

ليس الخطر في المبادرات نفسها، وليست المشكلة في مبادرة بعينها، لأن فشل مبادرة يعني ولادة مبادرة جديدة، فالعدو لا يعدم المحاولة. ولكن الخطر كل الخطر في تجاوب الثوار مع هذه المبادرات تجاوبًا غير واع بمراميها الخبيثة، وفي خضوعهم لضغوط الداعمين والوكلاء..

على الرغم من عدم تكافؤ الإمكانات بين الثوار والقوى الدولية الراعية للأسد، فإن مقاومة الضغوط الدولية، وإحباط المبادرات والمؤامرات الخارجية، أمر ممكن بل واجب. وما نفتقر إليه من إمكانات نعوضه بما نملكه من المؤمنين وما نحققه من سيطرة على الأرض، ذلك فقط إذا استطعنا أن نوحد قرارنا، ونجمع كلمتنا، ونطور مواردنا الذاتية.

1- من هو العدو؟؟
لم تكن ثورات الشعوب المسلمة ثورات على حكامها وأنظمتها الفاسدة الظالمة، بل كانت ثورات على حكومات عميلة تمارس بالوكالة مهمة نهب خيرات البلاد وتخلف العباد، بالنيابة عن الدول الاستعمارية التي يطلق عليها تلطيفًا مصطلح "النظام الدولي"! أو "الدول العظمى" أو "اللاعبين الدوليين".

وقد كشفت مسارات الثورات العربية عن حقيقة العدو الذي تحاربه، وأنها في الواقع دخلت في مواجهة مفتوحة مع قوى عظمى تتخذ من الحكومات العربية واجهة تستعمر من خلالها البلاد المسلمة وشعوبها، وأن تلك القوى الاستعمارية ستحارب بشراسة لمنع سقوط أذنابها إلا إذا ضمنت بدائل وأعدت عملاء يحمون مصالحها وتطلعاتها الاستعمارية.

ولأجل ذلك تداعت دول النظام الاستعماري هذا لمواجهة موجة ثورات الربيع العربي؛ لمنعها من تحقيق السيادة والرشَد في الدولة ونظام الحكم بما ينسجم مع هوية المجتمعات المسلمة ويلبي تطلعاتها.

وقد حرص العدو ألا يطل برأسه، وأن يدير المعركة في الخطوط الخلفية تحت مظلة المنظمات الدولية مستترًا بالشعارات البراقة الخادعة، منوعًا خططه وأساليبه بما ينسجمع مع طبيعة وخصوصية كل ثورة.

طبعًا كان واضحًا من المسارات التي خاضتها الثورات العربية المتجاورة، على تباين تجاربها وخصوصية كل منها، أن النظام الدولي حرص في أول ردات فعله على الثورات أن يهادنها ويجاريها ليهيئ الظروف المناسبة لإجهاضها، وأنه لا يجد غضاضة في التخلي عن عملائه إلا أنه لا يقبل بديلاً عنهم بغير العملاء، ولذلك تعامل مع كل ثورة بإستراتيجيات مختلفة حددتها طبيعة الثورة ونظام الحكم فيها.

أما الثورة السورية، ونتيجة وجود صراع دولي على النفوذ فيها، فقد توافقت مصالح الفرقاء المتنافسين على جر الصراع إلى ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة"، لتدمير البلد واستنزاف أطراف الصراع، وإجبارهم في النهاية على القبول بإملاءات تحقق مصالح الدول الاستعمارية وتفرض عليهم بدائل من صنعها.

2- التهيئة وتعبيد الطريق:
وضع النظام الدولي لاستنزاف الثورة السورية؛ بهدف إنهاكها وإخضاعها، مخططًا يتألف من عدة إستراتيجيات، أهمها:
- إطالة أمد الصراع وعدم السماح بحسمه لصالح أي طرف.
- الحصار والتدمير الشامل (إستراتيجية الأرض المحروقة).
- الاستنزاف ورفع كلفة الحرب بهدف الإنهاك (بشريًا وعسكريًا وإغاثيًا واقتصاديًا).
- التقسيم والتشتيت والاختراق، ومضاعفة جبهات الصراع (داعش، صدام بين الفصائل على أساس قائمة الإرهاب).
- حرف بوصلة الثورة وتفريغها من الوجهة والهدف (تحويلها من ثورة إلى حرب أهلية، ومن قضية حق وباطل إلى أزمة لاجئين ومساعدات إنسانية).
- التدخل في توجيه العمليات العسكرية عن طريق الدعم، لمنع الثوار من تحقيق أي تفوق عسكري (معارك الساحل، معارك حلب).
- السيطرة على القرار، وإنشاء أجسام ثورية؛ عسكرية وسياسية، موالية للغرب.
- إجبار الثوار على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات.
ولكن ثلاث سنوات ويزيد من الضغط الهائل، والحد غير المعقول من الدموية والإجرام، والحصار المنظم على السلاح والغذاء، ورغم مشكلات الثورة الداخلية الكثيرة، تبين أن خطط "المجتمع الدولي" لثورة الشام فشلت في تحقيق عدة أمور جوهرية:
- صناعة بديل لنظام الأسد موال للغرب، وضامن لمصالحه، وقادر على تحقيق السيطرة.
- تغيير موقف الثوار ذي الطابع الإسلامي، والساعي إلى إسقاط الأسد ونظامه جملة.
- ثبات الثوار وإصرارهم على الاستمرار في الجهاد والمقاومة على الرغم من شدة الضغط والمعاناة، وتحالف العالم أجمع ضدهم.

طبعًا ظل المجتمع الدولي يتحين الفرص المناسبة لامتلاك أوراق ضغط قادرة على كسر إرادة الثورة، وقد وجد أن التشتت الحاد الذي وصل إليه الثوار، بالإضافة إلى التقدم العسكري الذي حققه جيش الأسد في معارك حلب سيكون كافيًا لإخضاع الثوار، وجرهم إلى تفاهم يمكن الاعتماد عليه لحسم الثورة السورية والإجهاز عليها عن طريق مبادرات سياسية الهدف منها إعطاء الأسد فرصة لفرض مزيد من السيطرة والانتشار.

3- مبادرات لا مبادرة، بل خارطة طريق:
نعم فشلَ المجتمع الدولي في صناعة البديل "المعتدل" الذي يرتضيه، ولذلك اضطرت القوى العظمى إلى تجاوز خلافاتها والتوافق على المحافظة على الأسد ونظامه، ويمكن إرضاء "المعارضة المعتدلة!" ببعض الفتات. أما الثوار فيجب الضغط عليهم من كل النواحي وبكل الوسائل لصناعة واقع جديد على الأرض يجبرهم على القبول بتقديم التنازلات.

وقد وضعت خارطة طريق للوصول إلى هذه الغاية في صورة مبادرتين؛
- الأولى تهدف إلى تمهيد الظروف على الأرض لصناعة واقع جديد، وهي مبادرة المبعوث الدولي دي مستورا التي وصفها بأنها مبادرة "من تحت إلى فوق" وأنها مبادرة "تحريك لا مبادرة سلام"، هدفها كسر الجمود السياسي وإعادة المفاوضات، ووسائلها عسكرية وإغاثية!!
- والثانية هي المبادرة الروسية التي توافقت عليها أمريكة وإيران وجامعة الدول العربية، وأفراد (!!) من المعارضة. وهذه المبادرة تسعى إلى إحضار أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات للتفاهم على صيغة للمصالحة والحكم الانتقالي على أساس بقاء نظام الأسد، وضمان سيطرته على ملفي الجيش والأمن بالدرجة الأولى.
إذن تتكامل المبادرتان فيما بينهما؛ وما تحصده المبادرة الأولى يصب في سياق المبادرة الثانية، والهدف في الحالتين ترويض الثورة السورية بما يضمن تحقيق مصالح القوى العظمى في الشام، وبقاء وكلاء لها في مواقع السيطرة والقوة في الدولة.

4- دي مستورا يراهن على حلب:
حاول دي مستورا أن يظهر أن مبادرته المتعلقة بحلب ـ والتي أقر أنها مجرد بداية، أو تجربة، سيتم تطويرها وتوسيعها لاحقًا ـ جاءت من عدة دوافع بدا أنها نبيلة وتتصف بحسن النية، الأول هو حماية حلب ذات التاريخ العريق من المصير الأسود والتدمير الذي تعرضت له مدينة حمص. والثاني رفع المعاناة الطويلة عن مدينة حلب وإنهاء كارثتها الإنسانية المؤلمة. والثالث وجود معارضة متماسكة فيها.

تضمنت المبادرة في بنودها المعلنة ما يلي:
- تحييد جبهات القتال في حلب على مستوى السلاح الثقيل فقط، بهدف إيقاف القتال وتقليص العنف.
- لا توجد ضمانات قانونية لانتهاك أحد الطرفين لشروط الاتفاق.
- المبادرة غير محددة بمدة زمنية معينة، وحلب فقط نموذج نبدأ به ويمكن توسيعه مع الوقت.
- إدخال المساعدات الإنسانية وتقديم الخدمات الحيوية لمدينة حلب تمهيدًا لعودة الاستقرار.
- التركيز على التهديد الحقيقي المتمثل بالإرهاب، وتوجيه الثوار لقتال داعش بدلاً من قتال الأسد.
- لا تتضمن المبادرة مشروعًا سياسيًا لحل الأزمة السورية.

ولكن الذي لم يشرحه دي مستورا في مبادرته، أو ما حاول أن يلفت الانتباه عنه، هو أهمية حلب العسكرية والإستراتيجية التي تجعلها ورقة ضغط حاسمة لتحقيق المشروع السياسي الذي تحضر له المبادرة الروسية، وتهدف من ورائه إلى خنق الثورة السورية والإجهاز عليها نهائيًا. تلك الأهمية هي الدافع الحقيقي لاختيار حلب والذي يكشف الأهداف الخبيثة للمبادرة، وما يجعل حلب ذات قيمة عالية على طاولة المفاوضات وفي ميزان القوى.

راهن دي مستورا على حلب لتحقيق أهداف مبادرته لأنها جمعت، في توقيت طرح المبادرة، بين أهميتها في ميزان القوى العسكري والإستراتيجي، والمخاطر التي تتهددها وتنذر بحصارها القريب.

وتأتي أهمية حلب الإستراتيجية من عدة عوامل:
- اتساع جبهاتها وامتدادها على مساحات واسعة.
- ضخامة القوة العسكرية المرابطة فيها من الطرفين، وهذا هو معنى ما ذكره دي مستورا عن وجود معارضة متماسكة في حلب.
- مساحات شاسعة من ريف حلب المحرر الذي يمثل عمقًا إستراتيجيًا للثوار في مدينة حلب؛ يؤمن خطوط الإمداد لها عن طريق تركية الداعمة للثورة السورية، ما يجعل عملية محاصرة المدينة عسيرة ومكلفة وغير مضمونة.

ولذلك فإن السيطرة على مدينة حلب من أحد طرفي الصراع، أو تحييدها، يسمح بإعادة انتشار قوة عسكرية كبيرة واستخدامها للتوسع في مناطق أخرى. وإن نظام الأسد كان حريصًا منذ بداية الثورة على توريط الثوار بدخول مدينة حلب وإشغالهم بمعارك دائمة فيها من أجل استنزافهم المستمر، ولمنعهم من مؤازرة جبهات الثورة الأخرى في بقية المحافظات.

صحيح أن النظام استطاع، باعتماد خطة طويلة النفس، أن يقترب من حصار مدينة حلب، مستغلاً تفرق الثوار فيها وضعف تنسيقهم، إلا أن انتصارات حوران، وضغط العمليات في دمشق وخطورتها، والآن معارك إدلب، كل ذلك جعله يشعر بالتهديد في عقر داره، وفرض عليه البحث عن مخرج لتعزيز قدراته العسكرية في دمشق، وقد قدمت مبادرة دي مستورا هذا المخرج وأكثر..!

5- المساومة على حلب وصناعة الفرص:
وجدت القوى العظمى في حصار حلب ورقة ضغط قوية، وفرصة ثمينة تساعد في إخضاع الثورة السورية، وترجيح كفة الصراع لصالح نظام الأسد. وقد أريد من هذه المبادرة أن تصنع فرصًا جديدة تتيح للدول الكبرى المتحكمة تحقيق مجموعة أهداف إستراتيجية حاسمة تتهدد الثورة السورية كلها، وتؤثر بالضرورة في مصيرها، عبر أساليب متنوعة تعتمد على الخداع والمغالطات والقنوات غير الرسمية والاختراق التنظيمي والفكري:
- الهدف الأساس للمبادرة هو تحقيق تغيير حاسم في ميزان القوى على الأرض؛ عبر تحييد جبهات حلب، وإتاحة الفرصة للنظام لتحرير القوة الكبيرة المقاتلة فيها، والسماح بإعادة انتشارها، وتحريكها لدعم المعارك المفصلية في دمشق وحوران والساحل. ولاحقًا سيكون سهلاً عليه عند تحقيق الحسم هناك الانتقال إلى مناطق الهدن للقضاء على القوات الأخرى فيها، أو أن تخضع لشروط الحل السياسي الذي يحضر له بالمبادرة الروسية وغيرها.
- المبادرة نفسها منحت الأسد الاعتراف والشرعية التي يحتاجها دوليًا منذ إطلاقها، لا سيما أن دي مستورا أعلن عن مبادرته بعد مشورة الأسد والدول المعنية، وتجاهل الثوار نهائيًا في ذلك بحجة أن لا وقت لديه!!
- التهديد بالحصار، واستغلاله ورقةَ ضغط لإجبار الثوار على تحييد جبهات حلب مقابل عرض إنقاذ من خطر الحصار الحتمي المحدق، وتقديم عرض هدنة مفتوحة. ذلك على الرغم من أن رعاة المبادرة يدركون تمامًا أن حصار حلب لا يمثل تهديدًا حقيقيًا للثورة في حلب، بسبب وجود عمق إستراتيجي للثوار في الريف المحرر، ولأن الطوق العسكري الذي يحاول النظام محاصرة المدينة به طوق هشّ ضعيف يسهل كسره واختراقه في كل نقطة من نقاطه. ولأجل ذلك لم يكن نظام الأسد جادًا في قطع طريق الكاستلو الممر الأخير لحلب على الرغم من قدرته على ذلك في وقت من الأوقات، لأن تطبيق الحصار فعليًا سيكشف خدعة التهديد بالحصار، ويحرق ورق الضغط التي يلعب بها المبعوث الدولي لممارسة الضغط النفسي على الثوار ومنعهم من التفكير المتوازن.
- الدوافع الإنسانية نفسها جاءت لتحقيق أحد أهداف مبادرة دي مستورا الخبيثة لكسر إرادة المقاومة، وإفراغ الثورة من محتواها الروحي والأخلاقي، فقد كان الهدف من إبراز الجانب الإنساني حرف بوصلة الثورة وتحويلها من قضية حق إلى مطالب إغاثية وإنسانية بالدرجة الأولى، وزرع القناعة في الناس بأن تقديم التضحيات في سبيل نصرة الحق والدين مكلف جدًا؛ بشريًا وماديًا، وغير مجد، ما يعيدهم إلى مربع الأسد الأول الذي يعتبر الأمن والغذاء الأولوية الأولى للإنسان، وأن مطالبه وطموحاته يجب أن تكون محدودة بهما..! مبددًا من الأذهان أن الثوار إنما هم مدافعون عن قضية حق، ونصرة الحق دائمًا مكلفة، وهي تتطلب التضحيات الجليلة، ولم تحقق البشرية انتصاراتها على الظلم والضلال إلا بالتضحيات.
- تراهن المبادرة على عامل الزمن في تحقيق أهدافها البعيدة لتطبيع العلاقات مع النظام وتحضير الثوار للمصالحة معه، فالزمن كفيل بتجفيف الروح الثورية، وتعويد الثوار على القعود والاسترخاء، ويسمح لهم مرور الوقت بتقبل التعايش مع النظام، وعدم الاستعداد لدفع كلفة التغيير.
- التطمين للتأثير في مسار العمليات العسكرية على الأرض عن طريق إضعاف دافعية الثوار، وتسريب روح من عدم الجدية إليهم في معارك الدفاع عن حلب، لتعزيز فرص الأسد في التقدم العسكري على كل الجبهات. فقد سرب الوسطاء لقادة بعض الفصائل، وكثير ٍ من الناشطين، أن الدول العظمى لن تسمح بحصار حلب! وفعلاً وقع الثوار في الفخّ.. وأثرت التطمينات سلبًا في واقع المعركة، فكانت مشاركة كثير من الفصائل مشاركة شكلية هدفها إعلامي بحت، ولم تضع الثقل اللازم للتصدي لقوات الأسد فضلاً عن أن تفكر في التحول بالمعركة من الدفاع إلى الهجوم.
- بما أن المبادرة بلا ضمانات، فإنها تلعب على العقول قبل كل شيء، وهي تهدف إلى تقسيم الثوار وزيادة عوامل تشتيتهم جغرافيًا وعسكريًا وسياسيًا، فبعضهم قد يوافق على المبادرة، وبعضهم سيرفضها، وآخرون يقبلون نقاشها أو تعديلها.. وهذا الاختلاف سيربكهم عسكريًا، ويجعلهم عاجزين في الدفاع عنها، ويمنح الأسد الأفضلية العسكرية. كما أنه سيربكهم سياسيًا، ويمزق قرارهم، ويعطي الطرف الذي يقبل التنازل ذرائع يبرر بها تنازله. كما أن المبادرة هي خطوة عملية لفصل مصائر المناطق المحررة بعضها عن بعض، بحيث تقرر حلب مصيرها من دون النظر إلى مصير بقية المحافظات. لأجل ذلك عقد دي مستورا لقاءات فردية مع شخصيات عسكرية ومدنية لإقناع كل منها على حدة بمبادرته، ساعيًا لضمان تأييدها لها، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى فرز الثوار، وتشتيت مواقفهم، واختراق صفوفهم، وضرب بعضهم ببعض.
- طبعًا اعتمد دي مستورا على مجموعة من الوسطاء العملاء في اختراق صفوف الثوار في الداخل، والتنسيق معهم من أجل انتقاء الهيئات الثورية، وترتيب لقاءاته معها في عينتاب.

فعلاً اجتمع دي مستورا مع فئات متنوعة من الثوار المدنيين والعسكريين، واجتمع بقيادات بعض الفصائل أو ممثلين عنها في لقاءات سرية وغير رسمية.. واستعمل دي مستورا في هذه اللقاءات لغة التهديد التي تضمنت التهديد بحصار حلب، وتدميرها، وإيقاف الدعم، ومنع وصول المساعدات الإغاثية، أو التضييق عليها..

كما حاول دي مستورا تطمين الثوار وتبديد مخاوفهم أو (خداعهم) بأنه لن يُسمح للأسد باستغلال تحييد جبهات حلب لإعادة الانتشار في جبهات أخرى، معلنًا ـ في تناقض واضح مع مبادئ مبادرته التي أكدت عدم وجود ضمانات قانونية ـ أن عقوبات رادعة ستفرض على النظام إذا استغل المبادرة للقيام بهذا (وكأن عقوبات سابقة استطاعت أن توقف الأسد أو تحد من إجرامه!!).

جاءت مبادرة دي مستورا في توقيت وصل فيه الثوار إلى أقصى حد من التشتت، وتجاذب الولاءات للجهات الداعمة. وقد شكلت المبادرة في هذا التوقيت خطرًا حقيقيًا على الثورة كان من مؤشراته خضوع بعض الفصائل لشروط الدول الداعمة، وتخاذلها في معارك دفع الحصار عن حلب، بل إن بعض القادة لم يتحرج من اقتراح تسليم جبهات حلب للنظام!

واجه القادة الذين خضعوا للضغوط مشكلة لم يتوقعوها، فقد وجدوا بذور تمرد من عناصرهم ورفضهم التجاوب مع المواقف المشبوهة التي تبناها القادة، ما أثبت لأولئك القادة أنه ليس في إمكانهم فرض اتجاه مشبوه مناقض لاتجاه عناصرهم الذين ما تزال عقيدتهم صافية ومواقفهم ثابتة، وإلا فإنهم مهددون بفقدان ثقة عناصرهم وتفكك تشكيلاتهم.

ولذلك جاء الرد السليم على مبادرة المبعوث الدولي بمبادرة إسعافية للتوحد تحت مسمى "الجبهة الشامية" التي من أهم مبادئها رفض الخضوع للضغوط الخارجية.

تضمنت مبادرة دي مستورا كثيرًا من التضليل وعناصر الخداع، وخلطت قضايا الحق بالباطل، وكان من الممكن أن تمثل خطرًا حقيقيًا يجهز على الثورة السورية، ولكن فشلها يثبت أن المبادرة الروسية بشروطها المخزية التي تعلن صراحة إرادة الاستعمار، وضمان بقاء نظام الأسد الفاسد العميل، لن تشكل تهديدًا ولن تجذب إليها إلا العملاء، وسيكون من السهل تكوين إجماع ضدها به وحده يمكن مواجهة اجتماع إرادات الدول العظمى، ومقاومة ضغطها لتمرير مبادرات الإجهاض تلك.

6- التحييد من طرف واحد:
إن فشل مساعي المبعوث الدولي في مبادرة تحييد حلب، سيعني أن المبادرة الروسية ستبحث عن أرضية جديدة لها، وتحاول صناعة واقع جديد على الأرض يمهد لها الطريق لتنفيذ مخططها، وإذا لم يقبل الثوار بتحييد حلب فإن الغرب سيسعى لتحييدها من طرف واحد عبر إستراتيجيتين:
1- إستراتيجية الحرب الدفاعية: لا بأس ليرفض الثوار خطة التحييد الاختيارية، سيكون كافيًا منهم أن يضمن "المجتمع الدولي" عدم انتقال المعارك في حلب من الحرب الدفاعية إلى الحرب الهجومية، ولينشغلوا فقط بالتحصينات الدفاعية التي ستسوق على شكل مشاريع داعمة للعسكرة، يحركها ـ بتوجيه مباشر أو غير مباشر ـ العملاءُ في الفصائل، والهيئات المدنية المرتبطة بعملاء ومشبوهين في الخارج، مثل المشروع الذي يُحضَّر له لتدشيم جميع جبهات حلب، وواضح ما في هذا المشروع؛ الذي ظاهره دعم ومساندة للجبهات، من دعوة مبطنة لتجميد الجبهات والثبات على الخطوط الدفاعية[1].

من هذا المنطلق يمكن تفسير إعراض بعض الفصائل عن المشاركة في معركة نبل والزهراء، وحملة التشويه الإعلامية الشرسة التي استهدفت جبهة النصرة والفصائل التي شاركت في المعركة بحجة أن المعركة طائفية أو غير مجدية عسكريًا!! والواقع أن معركة نبل والزهراء مثلت خروجًا على التوجه الدفاعي الذي أراد الرعاة فرضه على حلب، وراوحت عنده جبهات حلب خلال الأشهر الماضية، وهي بالتالي تفشل مساعي التحييد القسري لجبهات حلب، وتفرض الخطة الهجومية على الصراع، وتهدد الهدف النهائي لطوق الإطباق على حلب، وتضغط على الميليشيات الشيعية في معاقلها.

2- إستراتيجية الانسحاب من طرف واحد: وهذه الإستراتيجية ستكون الخطة "ب" طبعًا في حال فشلت مساعي التحييد الإرادي والقسري نهائيًا. ويمكن شرح هذه الإستراتيجية بأن نظام الأسد سيقوم بتنفيذ خطة تحييد حلب من جانب واحد بالانسحاب الشامل منها، وبتنسيق دولي هذه المرة، بهدف تقسيم مناطق النزاع، وإضعاف الوجود السني في "سورية الجديدة". وذلك عبر إعادة انتشار قوات الأسد فيما يسمى بالمناطق المعتدلة؛ التي هي طبعًا المناطق الواقعة داخل الطوق الذي سيحاول النظام السيطرة عليه بالتعاون مع ما يسمى بقوات المعارضة "المعتدلة" التي تقبل بتطبيع العلاقات مع النظام ومصالحته على أساس بنود المبادرة الروسية.

وأما مناطق الثوار الذين لم يقبلوا الدخول في معاهدات الاستسلام هذه، فهي مناطق إرهابية خاصة بأهل السنة، بما يشمل مناطق تنظيم الدولة. وستكون هذه المناطق معرضة لكل أنواع التضييق والحصار والفلتان الأمني ومباحة للهجمات الدولية.. لتبقى عالقة في حالة الدولة الفاشلة والفوضى الشاملة. نعم بهذه الصيغة فقط سيُسمح لأهل السنة أن يشكلوا دولتهم المنشودة أو دويلاتهم المتصارعة أو يحققوا خلافتهم الموعودة. صدمة المسلمين بواقع هذه الدولة سيبدد من أذهانهم كل إيمان لديهم بالدولة الإسلامية أو بإمكان تحقيق نموذج رشيد للدولة الإسلامية، يقول الأمريكي غراهام فولر: "لا شيء يمكن أن يُظهر الإسلاميين بأسوأ صورة أكثر من تجربة فاشلة في الحكم"!

وبذلك تكون خطة إعادة تقسيم ما يسمى بالشرق الأوسط على أساس ديني واقعًا جديدًا مفروضًا على المنطقة، ومعطلاً في الوقت نفسه قوى ذلك المارد السني المتأهب للنهوض.

مؤخرًا نوقشت مرارًا خطة التقسيم الجديد للمنطقة التي نشرتها النيويورك تايمز على أنها تحليلات وتوقعات، ولكن مصير حلب في الفترة القريبة القادمة التي تعد معقلاً أساسيًا لأهل السنة وخزانًا بشريًا ضخمًا لهم، سيعني بدايةَ مرحلةِ تنفيذ خطة التقسيم هذه فعلاً، ولا سيما بعد فشل مساعي تحييد حلب، وعلى الأخص حين تحسم معركة نبل والزهراء. وإن تقدم تنظيم الدولة على جبهة السفيرة سيكون إعلان البداية لتنفيذ خطة انسحاب النظام من حلب تاركًا للتنظيم مهمة السيطرة على معامل الدفاع بمخزونها العسكري الضخم. أما ما يسمى بالمعارضة المعتدلة فإنه يعاد تشكيلها من فلول جبهة ثوار سورية وبعض الكتائب الصغيرة تحت مسميات ضخمة لتكون شريكًا في تنفيذ الخطة الدولية للتطبيع في مناطق النظام والمواقع ذات الأهمية الإستراتيجية لدولته المرسومة. وبالتزامن يبدأ نظام الأسد بإصدار مراسيم تؤكد ثقته بالبقاء والاستمرار، ومساعيه لتعزيز وجوده في مناطق النفوذ العلوي، فيحدث جامعة في مدينة طرطوس الساحلية!

خطة التقسيم هذه على ما فيها من مخاطر تتهدد الثورة السورية بعزل بعض جبهاتها عن بعض، وتقرير مصير كل منها على حدة، فإن من مخاطرها الكبرى أنها تسعى إلى تمييع مشروع الإحياء وإقامة الخلافة الإسلامية على أسس إسلامية صحيحة وسليمة، ذلك أن خلافة البغدادي وقيادتها العميلة ستكون البديل المشوه والسقف الأعلى المسموح به لتحقيق مشروع سياسي إسلامي سني لا يخرج عن إطار الهيمنة الدولية، ولكن هذه المرة عبر وكلاء يحملون الشعارات الإسلامية. أما الدول المجاورة للخلافة فستُعزز فيها الروابط القومية والطائفية بهدف إضعاف الوجود السني فيها ودفع أهل السنة للهجرة إلى دولة خلافتهم، أو البقاء كتلة قليلة متقوقعة غير كافية للتأثير.

ومع ذلك فإن من فوائد خطة التقسيم هذه أنها تعيد إلى الواجهة حقيقة الصراع الدينية، وتعيد تعريف مفهوم الأمة على أساس العقيدة، ما يعزز الرابطة بين الشعوب المسلمة ويكامل جبهاتها ومعاركها الداخلية، ويفرغ الشعارات القومية والوطنية والإسلامية من محتواها المزيف.

على المدى القريب ولمنع نظام الأسد من تنفيذ هذه الخطة بالانسحاب لضرب جبهات الثورة الأخرى في دمشق وحماه، فإنه من الممكن مواجهة هذه الخطة بإشغال النظام بجبهات حلب، وتتبعه إلى الجبهات الأخرى إذا قرر الانسحاب من حلب أو إخلاء جبهاتها.

7- دروس مستفادة وأساليب المواجهة:
نعم ليس أمضى من اجتماع الكلمة للتصدي للضغوط الدولية، وامتلاك القرار المستقل، ولكن مأزق المساومة على جبهات القتال أبرز أهمية معالجة مجموعة من القضايا الشرعية والسياسية والإدارية التي بدأت تتجذر في الثورة السورية.. وضرورة استخلاص بعض الدروس القاسية ولا سيما لأولئك الذين ما تزال طموحاتهم تدفعهم إلى محاولة السيطرة على مراكز القرار في الكيانات المتوحدة من أجل تحقيق إرادات الداعمين، متذرعين بانسداد الأفق، وعدم القدرة على مقاومة الضغوط، لنؤكد أن هنالك دائمًا خطة للمواجهة.
- الضوابط الشرعية للهدنة: لا تختلف مبادرة دي مستورا هذه عن أية مصالحة أو هدنة فرضها النظام على المناطق المحاصرة، وتدخل من الناحية الشرعية تحت أحكام الهدن، وما يجب فيها من شروط صارمة تتضمن موافقة ولي الأمر أو أهل الحل والعقد، وألا تعقد منفردة من فصيل واحد، وألا تضرّ الهدنة بجبهات أخرى للمسلمين، وأن تكون مقيدة بزمن معين. تلك الشروط التي أخلت بها بعض المناطق التي وافقت منفردة على المصالحة مع النظام فأعانت العدو على إخوانها في الجبهات المجاورة.
- مصير الثورة مصير واحد، وتحييد حلب يعني تعزيز قدرات النظام في جبهات أخرى: لمس الثوار الآثار الخطيرة للهدن المنفردة على ميزان القوى في المعركة، ورأوا أن الحلول السهلة أو الانهزامية لتخفيف المعاناة عن فئة أو منطقة يتحول إلى معاناة أكبر وهزائم في مواقع أخرى تهدد الثورة كلها، وهزائم انتقامية مؤجلة للمهادنين أنفسهم. وعلى هؤلاء أن يعوا أن مصائر كل الأطراف؛ مناطقَ أو فصائل، واحدة، وأنهم، منفردين ومجتمعين، يحددون مصير الثورة كلها.
- الدعم واستقلال القرار: تحاول بعض الفصائل أن تقوي نفسها بتوطيد صلاتها بالداعمين عن طريق تقديم بعض التنازلات والخضوع لشروطهم التي أثرت سلبًا على استقلال قرارهم، ودورهم العسكري، وأضعفت الخط البياني العام للمعارك وتحكمت به، ففرطت بقرارها ولم تكسب مقابل ذلك القوة ولا التفوق، وذلك لأن:
- الدعم ليس له مقابل إلا العمالة: إن أولئك الذين ما عادوا يلتفتون إلى الموقف الشرعي، ويقدمون التنازلات تلو التنازلات بذريعة فقه الاستضعاف، أو الحنكة السياسية، يجب أن يعلموا أن كل تنازل يقدمونه الآن يقوي الأسد على إخوانهم، وأنه سوف يوجه قوته المتضخمة تلك لضربهم لاحقًا.

الدول العظمى الذي تحاول الضغط على بعض الفصائل والتحكم بقرارها عن طريق الدعم أو التهديد، لا تقبل إلا بالعملاء، وكلما رضخ هؤلاء القادة وتعودوا الخضوع فسيدخلون في طابور العملاء شاؤوا أم أبوا، وهم بذلك يكونون وبشار الأسد الذي يحاربونه، أو يدعون محاربته، سواء في العمالة، وموالاة الأعداء، وتضييع الأمانة.

- نراهن على القواعد إذا ضلت القيادات أو خضعت: من فضل الله تعالى على الثورة السورية أن معايير الحق والباطل والصواب والخطأ لدى العناصر وصغار المجاهدين ما تزال سليمة، وإذا ما قرر بعض القيادات التخلي عن واجباتهم والانبطاح أمام الدول الداعمة، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى تفكك فصائلهم وانشقاق عناصرهم عنهم، والتحاقهم بالراية الأكثر عدائية للغرب، وأكثر نكاية في جيش الأسد، وهذا أمر واجهته بعض القيادات حين أرادت أن تجبر عناصرها على الدخول في معارك مشبوهة.
- لا يحمي حلب من الحصار، ولا يحمي الثورة من مخاطر التفتيت والتقسيم إلا الإنجازات العسكرية وفرض أمر واقع جديد على الأرض: بالإنجازات العسكرية وحدها يمكن تحقيق مكاسب سياسية ذات قيمة، ولا تتحقق الإنجازات العسكرية الكبيرة إلا عندما تضع الفصائل؛ جميعها، ثقلها العسكري في المعارك، وتتعامل بجدية مع الأخطار المتربصة، وتمتلك الجرأة لخوض الحرب الهجومية وتشتيت العدو بدلاً من التشتت تحت ضرباته. وقد كان اختيار معركة نبل والزهراء مناسبًا لتحقيق بعض هذه الأهداف.. الإنجاز العسكري يعطي الفصائل أوراق ضغط تستطيع بها أن تساوم الداعمين بدلاً من أن تسمح للداعمين بابتزازها؛ فتخضع لضغوطهم نتيجة استشعارها الضعف.
- لا تتحرر الثورة من الضغوط وابتزاز الداعمين إلا بجبهة داخلية قوية، وقرار موحد، وتنمية القدرات الذاتية: كان من أولى أولويات دي مستورا لتحقيق مبادرته أن يفكك موقف الداخل السوري من المبادرة، عبر الحوارات الفردية وباستغلال العملاء والوسطاء. ولذلك جاء التوحد ردًا سليمًا على المبادرة، وخطوة في الاتجاه الصحيح تسمح بامتلاك جهة شرعية تمثل الثوار، وتفاوض باسمهم، وتكشف العملاء وتجرّم وسطاء الحوارات الفردية.. ومع ذلك فإن مال الدعم لن يسمح للثوار بامتلاك قرار موحد أو الاستقلال عن الخارج، ولذلك يجب تنمية قدرات الثوار الذاتية؛ عسكريًا واقتصاديًا، بالاعتماد على المصادر المحلية، وسيكون لذلك أثر حاسم في مسار التوحد، واستقلال القرار السياسي، وفي اتجاه المعارك العسكرية.
- تمييز هوية العدو أهم عنصر في إدارة الحرب ورسم إستراتيجيتها وتحالفاتها.. فالثورة إلى الآن تحارب نظام الأسد، وتستعين عليه بحلفائه، وتحتكم إليهم في الأمم المتحدة ومجلس الأمن!! ويظن أكثر المتصدرين للعمل السياسي أن تقديم التنازلات وضمان مصالح تلك الدول الحليفة كفيل بتفكيك هذا الحلف، ولكن الضمانات التي يطلبها الحلفاء هي العمالة فقط، ولن يقدر على دفع كلفة هذه الضمانات إلا من يقبل أن يبيع نفسه، وحينها سيخسر مصدر قوته التي يساوم عليها الأعداء! ولكن نعم في الإمكان تحييد كثير من هؤلاء الحلفاء ـ ليس عن طريق ضمان مصالحهم ـ بل عن طريق امتلاك أوراق الضغط، وتحقيق التقدم على الأرض، وفرض واقع جديد غير قابل للمساومة، ومن يمتلك الأرض هو من يتحكم ويفرض الشروط.
- رفض المبادرة لا يعني عدم التفاوض شرطًا، ولكن يعني التحكم بعملية التفاوض: والتحكم يأتي عن طريق وجود هيئة شرعية تمثل الثوار، وتخوين الحوارات الفردية وتجريمها، وضبط العملاء والوسطاء وملاحقتهم.. والتفاوض بهذه الضوابط يستطيع أن يعرقل المبادرات الخارجية بدلاً من الرضوخ لشروطها، وذلك عن طريق المماطلة، أو إغراق المبادرة بالتفاصيل، أو تضييقها بالشروط والضمانات، وإحراجها بمبادرات حسن النية..
- حلب بيضة القبان وقاعدة الانطلاق للنصرة والتحرير: كما أن الأعداء خططوا للإجهاز على الثورة السورية عن طريق تحييد جبهات حلب الواسعة، فإن بإمكان الثوار حسم الثورة لصالحهم وقلب موازين القوى إذا استطاعوا أن يحرزوا تقدمًا حاسمًا في حلب، ويحركوا القوات الضخمة المرابطة على امتداد جبهاتها الواسعة؛ ليدعموا بها جبهات الثورة الأخرى في اتجاه مركز الثقل ـ العاصمة والساحل.. بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.

والحمد لله رب العالمين


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ليس المراد إنكار أهمية هذا المشروع، بل الأمر على العكس من ذلك، إذ كان من الضروري الاجتهاد في تدعيم الخطوط الدفاعية للجبهات وتحصينها التحصين الكافي لحمايتها ومنع اختراقها من قبل العدو. ولكن المراد لفت النظر إلى ما في مثل هذه المبادرات الإيجابية من نوايا خبيثة، والحذر منها، وعدم الوقوع في فخها.

التقارير الكيدية في تركيا وتبعاتها وصولاً لقرار الترحيل وكيف التعامل معهم ... قبل موسم الحصاد وبعده

الاعتقالات التعسفية بناء على التقارير الكيدية في تركيا ضمن حلقة #مباشر | #أحمد_رحّال .. لماذا اعتقل ؟ وما هو مصيره؟ #تفاصيل  #أورينت للمشاهد...

للإشتراك بموقعنا

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner