بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً متقبلا
أهمية الإستراتيجية، بين إستراتيجية العدو وغياب إستراتيجية الثوار:
عملاً بقوله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، نقدم هذه الدراسة الإستراتيجية المقترحة لتكون الإعداد قدر الاستطاعة للتصدي لحملة النظام وحلفائه على الريف الشمالي، ومنع حصار الثورة.
لأن الثورة لا تمتلك إستراتيجيتها فإن عدوها يفرض عليها إستراتيجيته ويوظف الثوار لتحقيقها، وهو من خلال ذلك يجبرهم على القتال في الزمان والمكان اللذين يختارهما، وبما يحقق أهدافه ويمنحه الأفضلية العسكرية، ويجرّ الثوار إلى حرب استنزاف وهزائم دومًا.
منذ بداية حملة "دبيب النمل" للوصول إلى نبل والزهراء، دخل الثوار في حرب استنزاف طويلة، في أراض مفتوحة ليس لهم فيها الأفضلية، وتكبدوا فيها الخسائر الجسيمة في المواقع والعتاد والرجال.
صورة لمخطط "دبيب النمل" مأخوذة من مقتنيات قتلى النظام في المدينة الصناعية
يختار النظام الأرض المفتوحة لكي يستطيع التقدم فيها واختراق المناطق المحررة بسرعة، فهو في المناطق المفتوحة يستفيد فيها من تفوقه الجوي والمدفعي، ويمارس خلالها سياسة الأرض المحروقة التي تمنع الثوار من الثبات والقدرة على الدفاع.
اعتمد النظام للوصول إلى نبل والزهراء النفَس الطويل، وقد اشتملت حملة دبيب النمل دائمًا على مرحلتين متعاقبتين: المرحلة الأولى هي الهجوم القوي السريع برأس حربة النظام للسيطرة على أحد المواقع التي تسمح بفتح طريق إلى نبل والزهراء، والمرحلة الثانية فترة هدوء يستغلها النظام بالتحصين والتحضير وإعداد القوة المقاتلة اللازمة للهجمة القادمة.
في خطوة لاحقة يبدأ النظام بالعمل على تقوية جبهاته ودعمها بالتوسع في الأراضي المحيطة، وبما يصل مناطقه بعضها ببعض، ويجنبه مشكلة الضعف في خطوط إمداده الطويلة. ولذلك فلم يبدأ حملته على الريف الشمالي قبل تدعيم خط إمداده الضعيف في الريف الجنوبي عبر هجمة شرسة للتوسع في الريف الجنوبي، وسيعتمد الخطة نفسها في التوسع في الريف الشمالي لإحكام الحصار على محافظة حلب.
استطاع النظام محاصرة الثوار في الريف الشمالي، وأطبق حلفاؤه عليهم من جانبين؛ داعش من الشرق، ومن الغرب البي كي كي وقوات سورية الديمقراطية.
وبما أن الهدف من هذه الهجمة الواسعة على الريف الشمالي الوصول إلى المعابر مع تركية، ومحاصرة الثورة، وإحكام الحصار على مدينة حلب عبر السيطرة على جزء واسع من الريف الشمالي، فإن النظام سيتقدم ليسيطر على بيانون، وعندان، وكفر حمرة، وستتقدم قوات البي كي كي مدعومة بقوات سورية الديمقراطية للسيطرة على الريف الغربي لحلب وصولاً إلى معبر باب الهوا الحدودي.
خطأ الثوار القاتل هو عدم اهتمامهم بإنشاء دفاعات قوية في المناطق المفتوحة التي كانوا يسيطرون عليها، بل لم يستغلوا توقف هجمة النظام وانشغاله بالإعداد للهجمة القادمة لتحصين مواقع الهجمات اللاحقة. وضعف دفاعات الثوار في الجغرافية المفتوحة أو غياب هذه الدفاعات كليًا غالبًا، لم يمنح الثوار الفرصة للصمود أو تقليل الخسائر. وقد استمر تكرار هذا الخطأ حتى اللحظة.
بل إن الثوار هم من أعطى النظام الفرصة للحشد للهجمة القادمة عندما جمّدوا الجبهات الكبيرة الممتدة معه على طول المدينة والريف، وعندما أهملوا شن هجمات مرتدة عليه في المواقع التي احتلها أثناء عملية الحشد للعمل القادم، أو في فتح عمليات في الجبهات الجامدة ولا سيما أثناء مرحلة الهجوم.
سبب ذلك عدم امتلاك الثوار إستراتيجية واضحة، والعشوائية التامة في تحركاتهم العسكرية بدافع رد الفعل، وإيثار الدفاع على الهجوم دائمًا، وافتقارهم القدرة على المناورة، وعدم استغلال إمكاناتهم، وعدم وجود قيادة مركزية أو تنسيق كاف بين فصائلهم.
تمدد قوات النظام في أرياف حلب الجنوبية والشرقية والشمالية خلال عامين
وإننا من خلال هذه الدراسة نقدم إستراتيجية تسمح للثوار بالتصدي للهجمة على الريف الشمالي، وتحرير حلب المدينة. وهذه الإستراتيجية لا تتطلب إمكانات نموذجية لتطبيقها، بل هي إستراتيجية واقعية عملية تنطلق من واقع الثوار ومن إمكاناتهم الحالية، وتحاول توظيف الفوضى لتحقيق السيطرة، وتشتيت العدو، على مبدأ التشتت السليم والتجمع الفعّال.
أمام الثوار 20 يومًا لتنفيذ هذه الإستراتيجية مستغلين حالة الاستنزاف الشديد التي يعاني منها النظام نظرًا لتوسعه وامتداده على مساحات واسعة، ولذلك سيلجأ إلى القنوات الدبلوماسية لعقد هدنة مع الثوار هي المدة التي يحتاجها لإعادة تأهيل نفسه، والتقاط أنفاسه، وحشد الأعداد التي يحتاجها من المرتزقة والعتاد. وتضييع هذه الفرصة سيمنح النظام الوقت الذي يحتاجه للعودة بقوة وتنفيذ إستراتيجية حصار الثورة، وفرض نفسه قوة مسيطرة على معظم الأراضي السورية، ولا سيما بعد انسحابات داعش وتسليم مواقعها الحيوية للنظام!!
أهداف الإستراتيجية العسكرية للعدو وحلفائه:
- فك الحصار عن نبل والزهراء لمنع استغلال الثوار لهما في المفاوضات السياسية.
- تجنيد المقاتلين في نبل والزهراء في الحملة العسكرية، وتعزيز القدرات البشرية لقوات النظام.
- حصار الثورة بالسيطرة على المعابر مع تركية، وقطع طرق الإمداد العسكري والإغاثي لحلب وإدلب أكبر محافظتين يسيطر عليهما الثوار.
- تقسيم المناطق المحررة وفصل بعضها عن بعض لضرب كل منطقة على حدة.
- تغيير ديموغرافي لتهجير أهالي المناطق الحدودية من السنة العرب، وفرض سيطرة الميليشيات الكردية العميلة لإيران عليها.
- تصفية حساب روسية مع تركية، وتهديد أمنها القومي وحدودها الجنوبية بإقامة دولة كردية وأخرى علوية على امتدادها.
- الضغط على الثوار وإجبارهم على الخضوع للإرادة الدولية إما بالانضمام إلى قوات سورية الديمقراطية الموالية لأمريكة، أو بمبايعة داعش والدخول تحت مسمى الإرهاب.
أهداف الإستراتيجية العسكرية المقترحة:
- التصدي للهجمة العسكرية الشرسة على الريف الشمالي ومنع تقدمها وإحباط أهدافها.
- إحباط محاولة تقسيم المناطق المحررة وعزل بعضها عن بعض.
- إنقاذ الريف الشمالي والثوار المرابطين هناك.
- إحباط محاولة السيطرة على المعابر الحدودية ومنع حصار الثورة وقطع طرق الإمداد لمدينة حلب.
- امتلاك زمام المبادرة وتحقيق تقدم عسكري مجد في حلب.
- حصار النظام في حلب وقطع طرق إمداده.
- محاولة السيطرة والتحكم واستغلال نقاط ضعف العدو، واللعب على الهامش غير المستثمر.
- تحسين الوضع التفاوضي للثوار بالتقدم العسكري على الأرض وإفشال مخططات التطويق والحصار.
محاور الإستراتيجية العسكرية المقترحة:
تتألف الإستراتيجية المقترحة من عدة محاور أساسية:
المحور التنظيمي:
§ تتطلب الإستراتيجية حدًا مقبولاً من التنسيق بين الفصائل العسكرية العاملة في حلب وإدلب وحماه، ولا تشترط وحدة القرار، بل يكفي وجود غرفة قيادة مشرفة على تنفيذ الإستراتيجية تتولى مهام التنسيق مع الأطراف الأخرى، ويتم إعلام كل طرف بالهدف المطلوب منه تحقيقه وبالتوقيت الذي يجب التنفيذ فيه، وتترك له حرية وضع الخطط التي يراها مناسبة للتنفيذ.
§ تشكل فصائل حلب غرفة قيادة عمليات تتولى مهمة وضع الإستراتيجية، والإشراف على تنفيذها، والتنسيق مع الأطراف المعنية، وتوزيع الأدوار، وتحديد أهداف العمليات، وتوقيتها.
§ تترك للفصائل المعنية حرية قيادة وتنفيذ العمليات في الجبهات الخاصة بها، وتبقى على اتصال مع غرفة قيادة العمليات للتنسيق بشأن التوقيت وطبيعة الأهداف التي يجب تحقيقها. ويفضل ألا تطلع الفصائل التي يتوقع معارضتها للإستراتيجية العامة على كامل الخطة، بل تعرض عليها خطة جزئية وتشارك من خلالها من دون الاطلاع على كامل العمل.
§ الجهات المعنية بالتنسيق لتنفيذ الخطة هي:
- ثوار أرياف حلب
- ثوار مدينة حلب
- ثوار إدلب (جيش الفتح)
- ثوار حماه
§ تقسم الجبهات إلى قطاعات، ويتم التواصل مع الفصائل المعنية وتوزيع الأدوار بينها بحسب قطاعاتها:
- جبهات حلب المدينة (تقسم إلى قطاعات)
- جبهة ريف حلب الجنوبي
- جبهة ريف حلب الشمالي
- جبهات ريف حلب الشرقي
- جبهة ريف حلب الغربي، وجبهة ريف إدلب الشمالي الشرقي
- طريق إمداد إثريا خناصر
§ تشكل فصائل حلب من قواتها قوة مركزية أو رأس حربة مزودًا بأفضل السلاح والعتاد الثقيل وخيرة العناصر، دوره قيادة العمليات وتولي العمليات الرئيسة والجبهات الهامة، وهي تتبع لغرفة قيادة العمليات مباشرة.
§ يمكن رفد رأس الحربة بعناصر نوعية مقاتلة من المحافظات الأخرى في حال كان هناك نقص حقيقي في الأعداد.
2. محور المعركة الدفاعية:
§ الريف الشمالي محاصر من ثلاث جهات، وهو في وضع استنزاف، ولا يمكن الاعتماد عليه وحده في منع تقدم القوات المعادية (النظام، داعش، البككي)، ولهذا فالأفضل أن يبقى دوره دفاعيًا هدفه صد الهجمات، والصمود لتأخير السقوط.
جبهة الريف الشمالي المحاصر
§ الدعم التركي المدفعي لا يمكن أن يحدث فارقًا حاسمًا في المعركة على الأرض.
§ وكذلك وصول المؤازرات إلى الريف الشمالي لن تكون ذات أثر ملموس ولن تغير واقع المعركة كثيرًا، لأن المنطقة مغلقة ومحاصرة، وتواجه عدة أعداء في وقت واحد ومن عدة اتجاهات، وستكون منطقة استنزاف للثوار. ولذلك يفضل أن توظف قوات المؤازرة في شنّ هجمات على المواقع الضعيفة والخطوط الخلفية لهؤلاء الأعداء بما يشتت قواهم، ويضعف تماسكهم، ويساعد في إشغالهم.
§ في الجبهات الدفاعية يفضل اعتماد أسلوب المناورة، والكمائن، وحرب العصابات للدفاع، بدلاً من التصدي المباشر للقوة المهاجمة.
§ يجب العمل على تعزيز التحصينات الأرضية، والدفاعات في الخطوط الخلفية في كل المواقع، وحتى تلك التي تعتبر منطلقًا لهجمات معاكسة.
§ تشييد خطي دفاع على الأقل، مدعومين بحماية نارية وقناصة، وبقوات مؤازرة وثقيل في الخطوط الخلفية.
§ الخط الدفاعي المتقدم يتشكل من الخنادق العريضة (3م فما فوق)، والعميقة (2م فما فوق) القادرة على إعاقة تقدم الآليات والدبابات، يتبعه خط دفاعي خلفي يتألف من السواتر والحفر الفردية الضيقة والمتعددة، وتلك الوسيلة الدفاعية الأهم ـ بعد تأييد الله تعالى ـ للثبات والصمود أمام الكثافة النيرانية الجوية والمدفعية للعدو.
§ الحشد وتعزيز الدفاعات في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي، استعدادًا لمواجهة تقدم النظام وحلفائه باتجاههما بهدف محاصرة حلب، والوصول إلى معبر باب الهوا.
3. محور المعركة الهجومية:
أهداف الخطة الهجومية:
- قطع طرق إمداد النظام.
- تشتيت قوات العدو بما يجبره على إيقاف هجمته على الريف الشمالي.
- الخروج من الوضعية الدفاعية، وامتلاك زمام المبادرة باختيار أرض المعركة وفرضها على العدو.
- الضرب في الخاصرة الضعيفة.
- إعاقة الخطة الهجومية للعدو، ودعم المدافعين.
- إيقاف استنزاف الثوار.
- تحييد الطيران والمدفعية المعادية.
عناصر الخطة الهجومية:
1- عدم مواجهة رأس حربة العدو مباشرة، وتشتيته بضرب خطوطه الخلفية، وفي أكثر من جبهة، في وقت واحد:
§ كما أن الدفاع وحده لا يكفي للتصدي لهجمة النظام الشرسة، وكذلك لا يمكن مواجهة النظام في موضع قوته مباشرة ولا سيما عند عدم تكافؤ القوى، فمن الخطأ التصدي لرأس حربة النظام المدعوم بالطيران والمدفعية باعتماد الخطة الهجومية، بل يجب مهاجمته في خطوطه الخلفية وخاصرته الضعيفة والالتفاف عليه بعمليات نوعية، وعمليات كر وفر، في توقيت واحد، وفي جبهات متعددة، لمنع النظام من امتصاص الصدمة، وبهدف تشتيت قوته الجوية والمدفعية، ومنعه من إعادة انتشار قواته، وهذا سيكون كافيًا لإيقاف هجماته وتحوله من الهجوم إلى الدفاع بإذن الله.
§ يعمل النظام على التحضير للهجوم على بقية بلدات الريف الشمالي (بيانون، كفر حمرة، عندان) لإحكام الطوق على مدينة حلب، في حين ستحاول قوات البي كي كي وحليفتها قوات سورية الديمقراطية الهجوم على الريف الغربي، وريف إدلب الشمالي للوصول إلى معبر باب الهوا، ويمكن تعطيل هذا المخطط بهجمة استباقية على كامل الحدود الجنوبية لمنطقة عفرين بالتنسيق بين ثوار الريف الغربي لحلب، وجيش الفتح، وبعمليات كر وفر على الخطوط الخلفية لقوات النظام في الريف الشمالي في باشكوي وحندرات. وإن هذه الهجمات تمنح الفرصة لثوار الريف الشمالي المحاصر لشنّ هجمات متزامنة على الحدود الشرقية لقوات البي كي كي وحلفائهم.
الهجوم الاستباقي على أكثر من محور (عفرين)، وعمليات الإشغال في (حندرات)
§ يعاني النظام من خلل في توزع عناصره وانتشارهم ولا سيما الآن؛ حيث يسخر ويركز كل إمكاناته العسكرية لاحتلال الريف الشمالي، ويمكن استغلال هذا الخلل في توزع القوات المعادية بالهجوم المباغت على جبهات متعددة في وقت واحد لتشتيت قواته، ومنع قدرته على المؤازرة وتركيز قدرته العسكرية على جبهة واحدة.
§ في العمليات الهجومية يجب التنسيق بين عدة أطراف ثورية في مواقع مختلفة، لتعزيز الضربة الهجومية أو لتعزيز الإمكانات الدفاعية للثوار في الجبهة التي يهاجمها النظام، فيمكن لثوار الريف الشمالي أن يشنوا الهجمة المرتدة بالتزامن مع هجمة لثوار المدينة على الخطوط الخلفية للنظام أو على الطرف الجنوبي من الطوق الذي أنشأه إلى الزهراء، كما يمكن لثوار حماه أن يشنوا هجومًا على خط الإمداد من أثريا بالتزامن مع عمليات الثوار في حلب.
2- تحرير المدينة:
§ في الأرض المفتوحة تكون الأفضلية لقوات النظام لتفوقه من حيث الطيران والمدفعية، ولذلك فإن قدرات الثوار الدفاعية تكون في الأرض المفتوحة ضعيفة، ولا بد من نقل مكان المعركة إلى مواقع يكون للثوار فيها الأفضلية، فالثوار في جبهات المدينة أقوى، وأكثر ثباتًا وخبرة، كما أن الحرب في المدن تساعد على تحييد الطيران والمدفعية.
§ استغل النظام تجميد جبهات المدينة الطويلة لتخفيف انتشار عناصره فيها، وجند تلك العناصر في قوته المهاجمة في الريف الشمالي والجنوبي، ولذلك يجب استغلال عدم التوازن في توزيع قوات النظام، لتحرير حلب المدينة، أو بما يجبره على سحب قوات من الريف لدعم جبهات المدينة.
§ فتح جبهة المدينة شرط ضروري لإحداث أثر حقيقي في جبهات الريف الشمالي، أو جبهات قطع طرق الإمداد، لأن النظام سيضطر إلى إعادة توزيع قواته وإيقاف تقدمه في الريف للتصدي للهجوم على المدينة، فإما أن يعجز عن امتصاص الصدمة لسرعة الثوار في التقدم في المدينة، وبالتالي يكون فتح المدينة سهلاً وسريعًا، وإما أن يمتص الصدمة وينجح في إعادة انتشار قواته، وبالتالي فإن هدف تعطيل حملته وتشتيت قوة رأس حربته في الريف يكون متحققًا..
§ يجب شنّ هجوم متزامن على معظم جبهات مدينة حلب وفي وقت واحد، لسلب النظام القدرة على امتصاص الصدمة، وإعادة توزع قواته، وامتلاك زمام السيطرة، وكذلك بهدف تشتيت طيرانه ومدفعيته على كثير من الجبهات حيث سيكون الطيران عاجزًا عن تكثيف هجماته على جبهة واحدة.
صورة لمخطط دبيب النمل مأخوذة من مقتنيات قتلى النظام في الصناعة
§ يمكن تحرير المدينة بعدة خطط، ولكن يبدو أن الأفضل اعتماد الخطة الهجومية التي استعملها جيش الفتح في تحرير مدينة إدلب، وذلك بتركيز الضغط على الطوق الدفاعي للمدينة بشنّ هجمة قوية ومتزامنة على كل نقاط الرباط في المدينة، دخولاً إلى عمقها، مع ترك طريق الإمداد مفتوحًا لتشجيع الشبيحة على الفرار، وبمجرد انهيار الطوق الدفاعي الأول للمدينة تسقط القطع العسكرية والأمنية داخل المدينة تباعًا أو تحاصر.
عمليات هجومية متزامنة لتحرير حلب، وقطع طرق إمداد النظام في الريف الشمالي
§ يجب تركيز الثقل الهجومي على محاور معينة في المدينة للسيطرة على المواقع الإستراتيجية وعقد المواصلات الهامة بهدف تقطيع أوصال المدينة وعزل بعضها عن بعض، ولا سيما مركز قيادة عمليات النظام في مدينة حلب، وكل ما يساعد في تحييد المواقع الحاكمة أو في السيطرة عليها، كالإذاعة والقصر البلدي..
§ السرية أهم عامل في تحقيق عنصر المفاجأة والصدمة، بحيث تكون الهجمة على جبهات المدينة سريعة ومباغتة، وهذا يخفف كثيرًا من كلفة المعركة، ويقلل مقاومة العدو، وقدرته على امتصاص الصدمة، وإعادة السيطرة، والدفاع المنظم.
§ ويمكن تعزيز عنصر المفاجأة بتفجير الأنفاق والعمليات الاستشهادية، ويجب الاقتحام والتقدم أثناء صدمة التفجير، ووقت حدوث البلبلة بين عناصر النظام.
§ الاهتمام بتحييد القناصة عبر استخدام الدخان الكثيف واستهداف مواقعهم بالثقيل والتقدم السريع بغطاء غبار التفجيرات، وتجنب المساحات المكشوفة.
§ يفضل ترك المدخل إلى المدينة من طرف الراموسة مفتوحًا لتشجيع الشبيحة على التخلي عن المقاومة والهرب، وفي الوقت نفسه ينبغي متابعة هؤلاء الفارين في الريف الجنوبي لاغتنام ما لديهم من عتاد وسلاح، وعدم السماح لهم بالالتحاق بصفوف النظام من جديد.
§ تحتاج عملية فتح المدينة إلى أعداد كافية من المقاتلين لتغطية كل جبهات المدينة التي يتوجب الهجوم عليها في وقت واحد، ويتوقع أن تغطي أعداد المقاتلين في حلب احتياجات العملية. وفي حال لم يمتلك الثوار العدد الكافي فيجب أن يشجعوا أهالي المدينة على النفير العام، ويطلبوا مؤازرات من المحافظات الأخرى لتنفيذ العملية.
§ في حال لم ينجح الثوار في تأمين العدد الكافي لتنفيذ العملية أو فشلوا في التقدم في جبهات المدينة، أو كسر الطوق الدفاعي واختراقه، فإن عليهم أن يتابعوا عمليات الهجوم المباغتة عليها، لمنع النظام من إعادة الانتشار مرة أخرى، ويجب الحذر من تجميد جبهات القتال في المدينة مرة أخرى.
3- قطع خطوط الإمداد:
§ يمتلك النظام في حلب خطي إمداد، الأول هو خط خناصر ـ نبل والزهراء، الذي يدعم ويمدّ قوات النظام التي تحاول السيطرة على الريف الشمالي وحصار حلب. والثاني هو خط إمداد قواعده ومركز قيادته في حلب المدينة، والذي يمتد من الريف الجنوبي عبر الراموسة. وقطع أحد الطريقين أو كليهما يحول النظام إلى محاصَر في الريف الشمالي أو المدينة.
§ يمتد خط إمداد النظام للريف الشمالي عبر شريط طويل جدًا وضيق من المناطق المفتوحة، وهذا ما يجعل حملة النظام على الريف الشمالي مغامرة عسكرية خطرة، حيث إن خط إمداده طويل جدًا وضعيف في معظم نقاطه، وقابل للقطع والإغلاق في أي وقت، ويحتاج إلى أعداد كبيرة لتأمين الطريق وحمايته على الدوام في كل نقاطه، ولذلك حرص النظام على حمايته وإسناده بكتل وثكنات عسكرية محصنة أو مرتفعة؛ كالسجن المركزي، والصناعة، ومعامل الدفاع، وتلة باشكوي..كما عمل على التوسع في المناطق المجاورة لحماية الخطين معًا (الراموسة، وخط إمداد الزهراء).
§ ولذلك فلم تعد عملية قطع خطي الإمداد للريف أو المدينة عملية ميسورة وسهلة، فقد استطاع النظام تدعيم النقاط الضعيفة وحمايتها بالتوسع في المناطق المجاورة في الريف الجنوبي، ما جعل المساحة الضيقة الضعيفة في خط الإمداد مساحة قليلة، وأي عمل هجومي عليها في إمكان النظام التعامل معه وتكثيف دفاعاته عنه، وهذا يجبر الثوار على اعتماد إستراتيجية مناسبة لتحقيق الضغط الكافي على خط الإمداد وقطعه أو تهديده.
§ يمكن قطع الطريق بعدة طرق:
1. شنّ هجمة واحدة على امتداد كامل الشريط كفيل بانهيار دفاعات الشريط واختراقه إلى عمقه وتفكيكه، وبذلك تصبح المواقع العسكرية بحكم المعزولة والمحاصرة، وطريق الإمداد بحكم المقطوع. وستكون هذه الخطة صعبة التنفيذ وحدها نظرًا لنجاح النظام في التوسع في كثير من أقسام طريق الإمداد.
2. السيطرة على موقع هام في خط الإمداد يستطيع الثوار التثبيت فيه والمحافظة عليه، مثل السيطرة على منطقة الشيخ نجار التي تمتاز بوجود أبنية يمكن التترس بها والاحتماء بها من القصف. ولجعل السيطرة على هذه المنطقة أسهل وأقل كلفة يمكن توقيت عملية تحرير الشيخ نجار مع هجمة واحدة على الأقسام الضعيفة من طريق الإمداد بحسب ما هو مذكور في النقطة السابقة.
3. التهديد الدائم للطريق بتنظيم هجمات مفاجئة وعمليات كر وفر عليه، بما يجعله غير آمن وغير مستقر ومعرضًا لخطر الهجوم المفاجئ والتهديد في أية لحظة، ولا سيما في الخطوط الخلفية للجبهات المتقدمة للنظام، مثل باشكوي وحندرات..
§ أما قطع طريق الإمداد لمناطق النظام في حلب المدينة من طرف الراموسة فهو غير ممكن حاليًا إلا في الجزء الجنوبي الضعيف الذي يشترك مع خط إمداد الريف قرب خناصر، وعلى كل حال يفضل عدم العمل على قطع خط إمداد المدينة بالتزامن مع الهجمة الشاملة عليها لما ذكرناه من ضرورة ترك مجال للشبيحة للهرب بدلاً من الاستشراس في المقاومة.
§ يفضل التنسيق مع الثوار في منطقة حماه لقطع طريق الإمداد ومنع الأرتال والمؤازرات من التقدم عبر إثريا باتجاه خناصر، ولا سيما أثناء تنفيذ العمليات المتفق عليها.
4- التوقيت:
§ التوقيت أهم عامل والشرط الأساس لتحقيق هدف التشتيت وإحداث فارق في المعارك الجارية، فاستغلال انشغال النظام في الريف الشمالي وحشد قواته هناك الآن هو ما سيجعل الهجمات على مواقع أخرى ذات جدوى، إما بإعاقة حملته على الريف الشمالي وإشغاله بالدفاع في موقع آخر، أو بتسهيل السيطرة على الموقع الآخر نظرًا لانشغال النظام هناك. وهذا ينطبق على معركة تحرير المدينة التي سيضطر فيها النظام إما إلى استقدام قوات من جبهة الريف الشمالي لصد الهجمة، وذلك سيضعف حملته على الريف الشمالي أو يوقفها، وإما أن يترك المدينة بدفاعات ضعيفة لقمة سائغة للثوار. وتعد هذه فرصة ثمينة على الثوار استغلالها، لأن النظام بمجرد أن يفرغ من الريف الشمالي سيعيد توزيع قواته، وسيكون قادرًا على دعم جبهات المدينة بالجنود.
§ تزامن عدة عمليات وتنفيذها في وقت واحد هو ما يسمح بإحداث الصدمة وتشتيت قدرات العدو البشرية والنارية.. ولذلك فإن شن الهجمة على مدينة حلب من كل المحاور وفي وقت واحد سيفرض عبئًا دفاعيًا كبيرًا على النظام، ويعطل إمكانية المؤازرات بين جبهاته، ما يساعد في سرعة كسر الطوق الدفاعي للمدينة والدخول إلى عمقها.
§ أثر القوة النارية والجوية للنظام تأتي من تركيزها على منطقة معينة وحرقها، وإن إجبار النظام على الدفاع عن أكثر من منطقة في وقت واحد سيشل قدرته النارية ويشتتها بين كثير من النقاط، ولن تغدو فاعلة ولا مؤثرة في أي منها، وهذا ما يسمح بتحييد قوة الطيران والمدفعية في المعركة بإذن الله.
§ الاستفادة من توقيت العمليات يشترط أعلى قدر ممكن من التنسيق بين الأطراف المشاركة في العمل.
5- حرب العصابات عند عدم القدرة على الدفاع، أو السيطرة والتثبيت (الكر والفر والكمائن وعنصر المفاجأة):
§ لا يمكن إنكار امتلاك الثوار القدرات البشرية والعسكرية التي تسمح لهم بخوض الحروب النظامية بهدف السيطرة على المواقع، والتثبيت فيها، وهذا مطلوب وضروري ما دام ضمن إمكانات الثوار.
§ وفي حال لم يكن في إمكان الثوار (التثبيت في المواقع أو ضمان السيطرة عليها)، فإن عليهم أن يلجؤوا إلى أسلوب الهجمات المباغتة السريعة، وحرب العصابات، والكر والفر، والكمائن.. بهدف استنزاف العدو، ورفع كلفة سيطرته على المواقع، وتشتيت قدراته وإشغاله، واغتنام ما يمكن من الغنائم.
§ لا يمكن التصدي للقوة الهجومية للنظام في الريف الشمالي إلا بتشتيت هذه القوة عن طريق هجمات كر وفر على الخطوط الخلفية للقوة المهاجمة في حندرات وباشكوي، وذلك ليس بهدف السيطرة على هذه المواقع إن لم يكن بالإمكان التثبيت فيها نظرًا لأنها تتصف بالمواصفات الجغرافية نفسها التي تمنح النظام الأفضلية، ولكن بهدف إشغال القوة المهاجمة، وإرباك صفوفها، وإثارة الذعر في قلوب عناصرها، وتهديدهم الدائم بقطع خطوط الإمداد.
§ في ظل التفوق النوعي للقدرات العسكرية للعدو، يجب اعتماد أساليب المناورة، والكمائن، والعمليات التي تعتمد السرعة والمباغتة، فهي وسائل هامة لا غنى عنها في التخطيط لأية عملية، سواء كانت بهدف التثبيت أم بهدف الإشغال.
1- نماذج من كمائن الفيتناميين البدائية
§ أفضل الوسائل في الكمائن تلك الوسائل البدائية التي استعملها الفيتناميون في مقاومة الاحتلال الأمريكي، والسبب أن الكمائن الفيتنامية لا تهدف إلى قتل المقاتل كما تفعل الكمائن والألغام المتفجرة، ولكن تهدف إلى إحداث الألم الشديد فيه، وصرخات الألم كفيلة بانهيار الحالة النفسية لجنود العدو لا سيما مع افتقادهم العقيدة القتالية. وهذه الوسائل بدائية وقليلة الكلفة وهي تعتمد على أساليب بسيطة غير معقدة (يمكن الاطلاع على نماذج كثيرة منها متوافرة عبر الإنترنت).
2- نماذج من كمائن الفيتناميين البدائية
§ السرية، وأمن المعلومات، وعدم إطلاع غير المعنيين على الخطط، والاكتفاء بإطلاع الجهات المعنية على المعلومات الخاصة بدورها، كل ذلك شرط أساسي في نجاح الإستراتيجية.
محور المعركة السياسية:
§ تأتي أهمية المنطقة المحاصرة في الريف الشمالي من أنها الطريق إلى المعبر الحدودي مع تركية، ونجاح الأعداء في حصار هذه المنطقة يعني توقف المعبر وافتقاد تلك المنطقة لأهميتها.
§ وأمام الثوار في الريف الشمالي في ظل هذا الواقع عدة خيارات: الصمود، الفناء، الهدنة، الانسحاب.
§ أما الصمود فيجب أن يكون مرتبطًا بهدف واضح، إما بنجاح بقية ثوار حلب في مؤازرتهم وفك الحصار عنهم وفتح الطريق مع تركية بعمل مشترك أو من جانب واحد، وإما بتدخل تركي حقيقي يساعدهم في الصمود ويمنع استنزافهم وإفناءهم، وإما بامتلاكهم القدرة على الصمود بهدف استنزاف العدو وإشغاله.
§ وفي حال لم يكن هناك أمل بتحقق أحد هذه الأهداف، وفي حال دخل الثوار في الريف الشمالي مرحلة استنزاف يهدد بفنائهم أو إبادتهم، فيجب إيجاد مخرج سياسي أو عسكري لهم بأقل الخسائر. أما بقاؤهم هناك من دون مبرر واضح فإنه يجعلهم فقط خفرًا يحمون حدود الأتراك ويقاتلون عنهم بالوكالة أو مجرد قاعدة عسكرية تركية في الشمال، وليس هذا دورهم، فالثورة أحق بهم في موقع آخر، وعلى الأتراك أن يتحملوا مسؤولية حماية حدودهم.
§ أما فناء المقاتلين هناك دفاعًا عن تلك المنطقة من دون هدف واضح، فهذا خطأ بيّن. ولا سيما أن الوضع العسكري الحالي للريف الشمالي يجعله بحكم الساقط، وقد فقد دوره الوظيفي الأساسي فلم يعد معبرًا دوليًا وممرًا للدعم والإغاثة. ولذلك لا بد من إيجاد مخرج عسكري أو سياسي للقوات المرابطة هناك، فبقاؤها هناك تعطيل لها، وفناؤها خسارة لها، ويجب إعادة انتشارها للاستفادة منها في مواقع أخرى.
§ وأما الهدنة مع أحد الأطراف المعادية في الريف الشمالي لتخفيف الضغط عن الثوار، وإيجاد مخرج لهم يمنع عنهم الإبادة فيبدو أنه قد أصبح الحديث عنها متأخرًا، وستكون بحكم الهزيمة أو الاستسلام، فالثوار لا يملكون أي شرط من شروط التفاوض؛ لا ضمانات، ولا مصالح مشتركة، ولا أوراق ضغط كافية.
§ عرضت داعش الهدنة مع الثوار في الريف الشمالي، وقد تكون الهدنة فخًا سياسيًا للصق تهمة الإرهاب بالثوار، وفي حال الضرورة، وكان بالإمكان تحييد الدواعش للتفرغ لقتال البي كي كي، فيمكن دراستها على أساس أن تكون هدنة "سرية" شرطًا، وألا يترتب عليها التعرض لغدر مفاجئ من الدواعش.
§ أما الانسحاب من الريف الشمالي إلى المناطق المحررة، وإخلاء المنطقة لداعش أو البي كي كي ليكون أحدهما في مواجهة مباشرة مع الآخر، فذلك سيجعل سيطرة البي كي كي على المعبر مكلفة لهم، ومحرجة للأتراك وتهديدًا مباشرًا لحدودهم بعد أن تخلوا عن واجبهم ولم يقدموا الدعم اللازم والجدي للثوار الذين قاتلوا بالنيابة عنهم.
§ تدبير خط الانسحاب أمر هام، والخيار الأول للثوار هو بالانسحاب عبر الأراضي التركية، وفي حال لم تسمح تركية بانسحاب الثوار عبر آراضيها، فسيكون عليهم بحث موضوع الهدنة أو الاستسلام لأحد الأعداء المحيطين بهم، لتسليمهم الأرض وتأمين انسحاب آمن لهم عبر آراضيهم بدلاً من ذلك.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وما النصر إلا من عند الله، إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، والحمد لله رب العالمين
ü نسخة إلى القيادات العسكرية لفصائل مدينة حلب وريفها
مكتب الدراسات
حلب المحررة ـ 19/ جمادى الأولى/ 1437هـ، 29/ شباط/ 2016م