whatsapp

آخر التعليقات

أحدث المواضيع

الأحد، 9 أغسطس 2020

عمليات نقل غير قانونية لعشرات المحتجزين السوريين إلى داخل الأراضي التركية بعد “نبع السلام”

تقرير مشترك: اللجنة الكردية لحقوق الإنسان – الراصد ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

خلفية

بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بدأ الجيش التركي عملية عسكرية داخل الأراضي السوريّة، أعلن فيها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بدء توغل القوات التركية مع مجموعات من المعارضة السوريّة المسلّحة تحت مسمّى عملية “نبع السلام”، مطلقاً تسمية “الجيش المحمدي” على القوات التركية[1] المشاركة في العملية، ومعلناً التعاون مع “الجيش الوطني[2] السوري” في ذلك التوغل.

وقبل يوم واحد فقط من بدء العمليات العسكرية أصدر الإئتلاف السوري المعارض بياناً داعماً للتصريحات التركية حول عمل عسكري وشيك في المنطقة وجاء في البيان أنّ الإئتلاف السوري “يدعم الائتلاف الجيش الوطني ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان في جهودها، ويؤكد استعداد الجيش الوطني للتصدي للإرهاب بالتعاون والعمل المشترك مع الأشقاء في تركيا.”[3]

وكان “سليم إدريس” وزير الدفاع في الحكومة السوريّة المعارضة، قد أعلن بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر أنّ “الجيش الوطني” قد أنهى التدريبات اللازمة في العملية العسكرية المرتقبة في شمال شرق سوريا.[4] سبق ذلك ترتيبات عسكرية أخرى، إذا أعلن “الجيش الوطني” و “الجبهة الوطنية للتحرير” اندماجهم بشكل كامل، وذلك بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019.[5]

سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، كانت قد أصدرت بياناً صحفياً، دعت فيه إلى التحقيق في مسؤولية الدولة والأفراد المسؤولين عن الغزو/التوغل التركي في شمال شرق سوريا كونه يشكّل خرقاً للقانون الدولي.[6] عدا عن ذلك، فقد كان للهجوم تداعيات كبيرة على السكان المدنيين، فقد أدى الغزو مباشرة إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص -بمن فيهم حوالي 80 ألف طفل- خلال الأيام الأولى من عمر العملية، في موجوات نزوح سريعة وغير منسقة.

رافقت عملية الغزو بمساعدة مباشرة من فصائل المعارضة السوريّة المسلّحة مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي توثيقها ونشرها من قبل منظمات حقوقية سوريّة محلية ومنظمات دولة ولجان تحقيق أممية، فقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أكدّت فيه إن القوات العسكرية التركية، وتحالف الجماعات المسلحة السورية المدعومة من تركيا، قد أبدت ازدراء مشيناً لحياة المدنيين؛ حيث ارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات غير القانونية التي قتلت وجرحت مدنيين؛ وذلك خلال الهجوم على شمال شرق سوريا.[7]

بدورها، وثّقت منظمة “هيومن رايتس وتش” في إحدى تقاريرها الصادرة بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، قيام فصائل “الجيش الوطني السوري”، وهي جماعة مسلحة سورية غير حكومية تدعمها تركيا في شمال شرق سوريا، بتنفيذ إعدامات خارج القانون بحق المدنيين ولم تُفسر اختفاء عمال إغاثة أثناء عملهم في “المنطقة الآمنة”. ويبدو أن الجماعة المسلحة منعت عودة العائلات الكردية النازحة جرّاء العمليات العسكرية التركية، ونهبت ممتلكاتها واستولت عليها أو احتلتها بصورة غير قانونية.[8]

وبحسب لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السوريّة، فقد تعرّض المدنيون في منطقة رأس العين/سري كانييه وتل أبيض وما حولهما، لانتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني على يد مقاتلي “الجيش الوطني السوري” تتسق مع النمط الموثق في منقطة عفرين وبثّت هذه الانتهاكات الذعر بين الأهالي الأكراد وتسببت في مزيد من النزوح، وغادر أيضاً رجال ونساء أطفال يزيديون، كانوا يسكنون في حوالي 13 قرية في منطقة رأس العين/سري كانييه.

ورأت اللجنة أن هنالك أسباب معقول تدعو إلى الاعتقاد بأنّ مقاتلين في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، ارتكبوا جريمة الحرب المتمثلة في القتل، وارتكبوا مراراً جريمة الحرب المتمثلة في النهب مما يشكّل أيضاً خرقاً خطيراً للحق في الحيازة والملكية.[9]

سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، كانت قد أصدرت بدوها تقريراً مفصلاً، مشفوعاً بأدلّة دامغة تدعم مسؤولية فصيل “أحرار الشرقية” المنضوي تحت لواء “الجيش الوطني السوري” عن إعدام السياسية الكردية هفرين خلف بدم بارد. [10]

مقدمة

تقدم “اللجنة الكردية لحقوق الإنسان-الراصد” ومنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، هذا التقرير الموجز، كجزء من عمل مشترك، وحملة مناصرة بالمشاركة مع منظمات سوريّة أخرى، بدأت مباشرة عقب جمع معلومات موثوقة تفيد بنقل عشرات المحتجزين السوريين إلى الأراضي التركية، ممن تمّ اعتقالهم من قبل فصائل معارضة مسلّحة، مدعومة من الجيش التركي.

ففي نهاية شهري نيسان/أبريل 2020، أصدرت (41) منظمة، بياناً طالبت فيه التدخل من أجل وقف محاكمات تعسفية محتملة بحق أكثر من (90) شخصاً، تم تحويلهم إلى سجن “حلوان” في ولاية أورفة التركية.[11]

وكانت عمليات الاعتقال قد حدثت بشكل أساسي في أرياف مدينة تل أبيض ورأس العين/سري كانيه في الأيام التي تلت عملية “نبع السلام” مباشرة. وقد طالت عشرات الأفراد، من سكان المنطقة الأصليين، سواء من المكون العربي أو المكون الكردي، إضافة إلى أنّها طالت أفراداً مدنيين، وأشخاص عملوا مع مؤسسات الإدارة الذاتية “بالمياومة” وأشخاص كانوا بعيدين كل البعد عن الإدارة الذاتية عسكرياً وسياسياً. إضافة إلى ذلك فقد شملت عمليات النقل إلى داخل الأراضي التركية أفراداً كانوا مقاتلين ضمن وحدات حماية الشعب و/أو قوات سوريا الديمقراطية.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المنظمتين، فقد تم نقل ما بين (170 إلى 180) محتجز سوري، من داخل الأراضي السورية إلى الأراضي التركية، وتحديداً إلى ولاية أروفا التركية، وتركّز هذه الورقة الموجزة على أوضاع (90) شخصاً منهم تم احتجازهم في سجن حلوان، نسبتهم الساحقة لم يشاركوا بأي أعمال عدائية، وعمل بعض منهم مع مؤسسات الإدارة الذاتية بصفة عمال بشكل يومي وكمزودي خدمات، علماً أنّ هنالك عشرات المحتجزين الآخرين موجودين في سجن حلوان تم الوصول إلى أفراد منهم، بينهم ما بين (17 إلى 20) مقاتلاً من وحدات حماية الشعب YPG المنضوية تحت لواء قوات سورية الديمقراطية، وسوف يتم نشر أوراق أخرى حول باقي الفئات الأخرى الموجودة ضمن السجن في وقت لاحق.

لغرض هذا التقرير، تواصل الباحثون الميدانيون لدى “اللجنة” و “سوريون” مع عائلات (10) من المحتجزين، قبلت (5) عائلات بإدراج معلومات عن أبنائهم المحتجزين. وقد تمّ إجراء اللقاءات في نهايات شهر نيسان/أبريل 2020، وبدايات شهر أيار/مايو 2020. عبر الانترنت وتمّ بعضها بشكل شخصي، وتمّ إدراج جزء من الشهادات التي تمّ حصول عليها، مع مراعاة إخفاء بعض التفاصيل من أجل حماية المصادر.

إضافة إلى ذلك، فقد حصلت “اللجنة” و “سوريون” على مئات الصفحات من الوثائق (باللغة التركية)، تُظهر إحداها أسماء أكثر من (70) من الموقوفين وهي الأسماء التي تخص المجموعة الأولى (مجموعة الـ90 محتجزاً/ انظر المرفقات)، إضافة إلى وثائق تحتوي معلومات عن التهم الموجهة للأشخاص الموقوفين وتواريخ الاعتقال والجهة التي قامت بتلك العمليات .. ألخ.

  1. الإطار القانوني

هناك إطاران قانونيان دوليان ينطبقان على المحتجزين السوريين موضوع هذا التقرير، ويأتي القانون الإنساني الدولي في المقام الأول، ولا سيما قانون الاحتلال، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتضمنان فيه.

    • القانون الإنساني الدولي
لقد كانت تركيا قد اضطلعت بمسؤوليات ضمان سلامة ورفاهية السكان في التجمعات السكانية الواقعة في “المنطقة الآمنة” التي تقع تحت سيطرتها في إطار اتفاقية وقف إطلاق النار التي توصلت إليها مع الولايات المتحدة الأمريكية في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.[12] حيث قامت القوات العسكرية إلى جانب الشرطة التركية بفرض سلطتها الفعلية على مناطق “عملية نبع السلام” وذلك بإقامة أكثر من 60 نقطة تفتيش وقاعدة أمنية واسعة النطاق، وفقاً للاتفاقية المذكورة أعلاه. كما عزَّزت تركيا تواجدها هذا من خلال دعم منشآت الإدارة المدنية ووزارات عدة في المنطقة حيث قامت سلطاتها في محافظة (شانلي أورفا) بدعم قطاعات التعليم والصحة والكهرباء. بيد أنَّ سيطرة السلطات التركية على منطقة “نبع السلام” يعتبر احتلالاً عسكرياً وفقاً للمادة 42 من اتفاقيات لاهاي لعام 1907.

إنَّ دولة تركيا ملزمة باتفاقية جنيف الرابعة طالما أنها تحتل جزءاً من أراضي دولة أخرى، حيث تقول المادة (4) من الاتفاقية:
“الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين في حالة قيام نزاع يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل من الأشكال في أيدي دولة احتلال ليسوا من رعاياها.”
وعلاوة على ذلك، تفرض المواد من 47 إلى 78 من اتفاقية جنيف الرابعة التزامات كبيرة على سلطات الاحتلال بما في ذلك أحكام تتعلق بضمان الرفاه العام لسكان المناطق التي تحتلها والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة فيها. كما تحظر المادة 49 من الاتفاقية نفسها عمليات النقل القسري للسكان، سواءً الفردي أوالجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أيّاً كانت دواعيه.

وعليه، فإنَّ المعتقلون السوريون هم أشخاصٌ محميون كانوا قد احتجزوا داخل الأراضي السورية المحتلة وتمَّ نقلهم فيما بعد إلى سجن حلوان الواقع في الجمهورية التركية حيث وجّهت إليهم تهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب والقانون الجنائي التركيين. ويشكّل مثل هذا الفعل انتهاكاً جسيماً وفقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة.

    • القانون الدولي لحقوق الإنسان
إنّ المادة 5 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنصّ على ما يلي:

“كل إنسان له حق الحرية والأمن لشخصه. ولا يجوز حرمان أي إنسان من حريته إلا في الأحوال الآتية، ووفقاً للإجراءات المحددة في القانون:

أ- حبس شخص بناء على محاكمة قانونية أمام محكمة مختصة.

ب- إلقاء القبض على شخص أو حبسه لمخالفته أمراً صادراً من محكمة طبق القانون لضمان تنفيذ أي التزام محدد في القانون.

ج- إلقاء القبض على شخص أو حجزه طبقاً للقانون بهدف تقديمه إلى السلطة الشرعية المختصة بناء على اشتباه معقول في ارتكابه جريمة، أو عندما يعتبر حجزه أمراً معقولاً بالضرورة لمنعه من ارتكاب الجريمة أو الهروب بعد ارتكابها.

د- حجز حدث وفقاً للنظام القانوني بهدف الإشراف على تعليمه، أو بهدف تقديمه إلى السلطة الشرعية المختصة.

هـ – حجز الأشخاص طبقاً للقانون لمنع انتشار مرض معد، أو الأشخاص ذوي الخلل العقلي، أو مدمني الخمور أو المخدرات، أو المتشردين.

و- إلقاء القبض على شخص أو حجزه لمنع دخوله غير المشروع إلى أرض الدولة، أو شخص تتخذ ضده فعلاً إجراءات إبعاده أو تسليمه.

صادقت تركيا على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (ECHR) عام 1954، وأُقرَّت بحقّ الأفراد في رفع الشكاوى أمام المحكمة عام 1990. وبين عامي 1959 و 2019 كانت تركيا الأولى في عدد المرّات التي مثلت فيها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (ECtHR) إذ صدر بحقها 3645 حكماً، 3224 حكماً منهم، تضمّن انتهاكاً واحداً على الأقل. وجاءت روسيا في المرتبة الثانية حيث مثلت أمام المحكمة 2699 مرة. ومن الجدير ذكره أنَّ المحكمة وجدت أنَّ تركيا قد قامت بانتهاك المادة 5 في 771 مناسبة.[13]

إنَّ التصديق على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ليس أمراً محايداً، بل له تأثيرعلى الدولة الموقعة، وهذا ما أوضحه البروفيسور “بوسنر” في التقييم الذي أجراه على أثر التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي قال فيه بأنَّ تصديق بلد ما على العهد كان له أثر إيجابي على تعزيز احترام هذا البلد لحقوق الإنسان لديه خلال العامين الذين سبقا عملية التصديق، ولكن سرعان ما تلاشى هذا الأثر فيما بعد.

صورة رقم (1) – تأثّيَر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على تعزيز احترام أربع أنواع من الحقوق.[14]
عند قراءة هذه الإحصائيات نرى أنَّ نجاح مشروع حقوق الإنسان يبدو متبايناً إلى حدٍّ ما. وهنا يُطرح سؤال لماذا هو كذلك؟

في الواقع إنَّ الاعتقالات التي تقوم بها تركيا في سوريا، يعدّ مثالاً يوضح دواعي الشك الذي نشعر به حيال حركة حقوق الإنسان. وعليه قمنا بإعداد هذه المقالة القصيرة التي نهدف من خلالها إلى التشكيك في نجاعة مشروع حقوق الإنسان وذلك بناءً على تأملات في هذا الصدد قدّمها علماء في مجال القانون ومن بينهم “كوسكينيمي” و “بوسنر” و “ميغريت” الذين حاولوا الإجابة على السؤال أعلاه، وأيضاً سوف نتساءل لماذا لا تزال تركيا تكرر ارتكاب الانتهاكات ذاتها رغم الإدانات العديدة التي وجهت لها بسببها.[15]

ومن الأهمية بمكان بالنسبة للمحامين أن يتفكروا في هذه المسألة، وذلك ليتكون لديهم فهم متعمق لطبيعة القانون الدولي وإمكاناته وحدوده وكذلك كي لا يقعوا في بوتقة من سماهم “الإداريون أو ذوي النزعة الإدارية”.

إنَّ هذه المداخلة القصيرة سوف تلقي الضوء على ثلاث ثغرات تشوب مشروع حقوق الإنسان والتي هي ذات صلة بالحقائق المطروحة:

تتمثَّل الثغرة الأولى في رفض المجتمع الدولي الغير مبرر للاعتراف بسياسات القانون الدولي (أ). والثانية في تضاعف حقوق الإنسان المعلنة (ب). أما الثغرة الثالثة فتتمثل في الطابع الفردي الذي يهيمن على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (ت).

  • تماهي القانون مع السياسة
يحاول المحامون الدوليون مراراً وتكراراً باذلين جلَّ طاقاتهم لإظهار القانون الدولي على أنَّه خالٍ من الصبغة السياسية. حيث يجادلون بأن السياسة تقوم على الآراء والأخلاقيات والخيارات، بينما يقوم القانون الدولي على الشفافية والحيادية بالدرجة الأولى. هذا الرأي يمثل الفكر الليبرالي، الذي هو التيار الأكثر انتشاراً في أوساط المحامين الدوليين، بيد أنَّ هذا الرأي نفسه كان قد تمَّ انتقاده بأقوى العبارات من قبل بعض علماء القانون، ولا سيما “كوسكينيمي” الذي لا يعتبر فقط أنَّ القانون فوق السياسة بل يرى أيضاً بأنَّه هو سياسة بحدّ ذاته وينشأ من إرادة سياسية، وأنَّ محاولات المجتمع الدولي لتجاهل ذلك هي في الحقيقة تعوق تحقيقه لأهدافه.[16]

يعتمد معنى الحقوق وقوتها على وجود مؤسسات وتاريخ وثقافات تجمع أناساً لديهم طريقة تفكير متشابهة إلى حدٍّ كبير في الأمور السياسية والاجتماعية. إنَّ الحق لا يُمنح، وإنما هو استحقاق للمرئ تقرره النقاشات السياسية. بيد أنَّ الحقوق حاولت تجنّب أن تكون نتيجة لمثل هذه النقاشات وهذا أمر صحيح وأكثر دقة، حيث أنَّ السياسات يمكن أن تدخل في نزاعات لتفضيل حقوق على حساب أخرى خدمةً لمصالح معينة، أي أنها من الممكن أن تتجاهل حقوقاً تحمي الأشخاص الذين هم في مواقف ضعف أكثر من الحقوق التي تختار دعمها. وهنا تلغى وظيفة النظم الاجتماعية في ترتيب الحقوق، إذ ستصبح الأخيرة مجرَّد سياسة ضمن السياسات الأخرى.[17]

إن تجاهل هذا الأمر يمنع أي انتقادات بنَّاءة لمشروع حقوق الإنسان، ويضعه في دائرة من سوء الفهم والفشل في الدفاع عن الحقوق التي يهدف إلى حمايتها.

  • تضاعف حقوق الإنسان
قدّم “بوسنر” مقترحاً في محاولة لفهم أسباب فشل مشروع حقوق الإنسان وكان ذلك في تعليقٍ له على عمل “كوسكينيمي” حيث وبناءً على الدراسة التي قام بها الأخير قال “بوسنر” أنَّه رغم أنَّ تكاثر الحقوق يبدو في صالح مجال حقوق الإنسان إلا أنّه أمراً مثيراً للمشاكل. وبالفعل فإنَّ تضاعف عدد حقوق الإنسان المعلنة، وهو ما عبَّر عنه بمصطلحه “تضخُّم الحقوق”، يؤدي إلى فقدان أي حق من حقوق الإنسان لقيمته القانونية وذلك بطريقتين: الأولى نتيجة للقيود المادية وذلك عندما لا تكون الدولة قادرة أن تضمن احترام كافة حقوق الإنسان التي التزمت بها. حيث أنَّ وفاء الدول بهذه الحقوق يتطلب قدراً من المواد التي قد لا تمتلكها. فعلى سبيل المثال إذا قررت الدولة زيادة قوة الشرطة امتثالاً لحق الحياة التي تدين به لمواطنيها، فقد تكون بحاجة إلى الاستثمار في التدريب والتوظيف والتعليم وهذه النفقات قد تجعل الدولة غير قادرة على الاستثمار للوفاء بحقوق أخرى مثل الحق في المساواة والذي يستلزم استثمار الموارد في التعليم والتدريب والبناء وغيرها.

ويتناول “بوسنر” تأثير سلبي سائد آخر لتضاعف حقوق الإنسان وذلك عندما تلتزم الدولة بالدفاع عن عدد كبير من الحقوق حيث أنها قد تضطر في بعض الأحيان للتوفيق بين حقين التزم باحترامهما لكنها تفشل في ذلك في الممارسة. وفي غياب التسلسل الهرمي للحقوق يجب على الدولة أن تتخذ قرار تقديري اجتهادي وتدعم حق على حساب آخر. وأيضاً يمكن للدول أن تبرر أي انتهاكات لحقوق الإنسان لديها من خلال احترامها لحقوق أخرى. ففي القضية قيد النظر قد لا تكون تركيا قد احترمت المادة رقم (5) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تضمن الحق في الحرية إلا أنَّ بإمكانها أن تحاجج بأنَّ تصرفها كان ضرورياً لحماية دولتها وحماية حق مواطنيها في الحياة بغض النظرعن وجاهة دواعيها للاعتقال.[18] ووفقاً لكوسكينيمي:

اليوم، كل مصلحة وكل رغبة تتجه إلى أن تقدم نفسها في إطار لغة حقوق الإنسان، وذلك ما أدَّى إلى أن تفقد هذه اللغة قوَّتها إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال في “الحرب ضدَّ الإرهاب” كانت الجهود التي ترمي إلى السيطرة على الولاية القضائية واسعة النطاق التي تخص المخاوف الأمنية والخبراء الأمنيين متعارضة أساساً في لغة حقوق الأفراد. وإلى الآن يتم التعامل مع الشواغل الأمنية على أنها شواغل تتعلق بحقوق الإنسان، حيث أنَّ حتى الاحتجاز لأجل غير محدد يمكن أن يبرَّر من خلال الإشارة إلى الحق في الأمن للضحايا المحتملين للشخص المحتجز. المقصود هنا ليس أنَّ هذا أمر خاطئ، بل على العكس هو صحيح من الناحية الرسمية، فحماية حقوق الأكثرية قد يعتمد على تقييد حقوق الأقلية. لكن السؤالين السياسيين الوحيدين اللذين يجب أن يطرحا هنا هما: بمن نؤمن؟ وماهي القيم التي تهمنا وتلك التي نستطيع تجاوزها؟[19]
  • الطبيعة الفردية لحقوق الإنسان
ومن أوجه القصور الأخرى لمشروع حقوق الإنسان الواضحة في القضية قيد الدراسة هو عجزه عن المحاسبة عن الظلم الذي يقع على المجتمع ككل وليس على الأفراد أنفسهم. أي لا يوجد لدى مشروع حقوق الإنسان قوانين تخص المجتمع ككل. رغم أنَّ ما تفعله الدول الإستبدادية لا يقتصر على الضرر الفردي الموجه لضحايا مباشرين وإنما هو ضررٌ يلحق بالمجتمع ككل، وسوريا هي خير مثال على ذلك، حيث أنَّ ما ترتكبه تركيا اليوم في سوريا من اعتقالات واختفاءات قسرية وإعدامات ليست سوى استمراراً لما كانت تفعله الحكومة السورية على مدار الأربعين عاماً الماضية. والآن، الضرر الذي لحق بأي شخص تمَّ اعتقاله تعسُّفاً هو ليس ضرراً واحداً بل مجموعة من الأضرار مادية ومعنوية. فقد تشمل الأضرار المعنوية الإرهاق النفسي والجسدي، والضغوطات بسبب العيش في ظروف صحية سيئة، والإصابة بالأمراض الناجمة عن العيش مع عدد كبير من المعتقلين الآخرين. أمَّا الأضرار المادية فتكون بخسارة المعتقل لأيام مدفوعة الأجر في عمله إلى جانب أتعاب المحامي ونفقات أخرى يتكبدها الأهالي في سبيل البحث عن أبنائهم والوصول إليهم. وبينما يمكن لهذه الأضرار أن تتعوض بإجراء قضائي، هنالك أضرار على مستوىً آخر تصيب المجتمع ككل جرَّاء تلك الاعتقالات التعسفية الفردية، ألا وهي انتشار الخوف بين جميع أبنائه من التعرض للاعتقال التعسفي وبالتالي خوفهم من التعبير عن آرائهم، وكذلك من المحتمل أن يشارك المجتمع بالتكاليف التي تتكبدها العائلات فيه فضلاً عن التغيير الذي من الممكن أن يحدث في أسلوب الحياة فيه، وأسوأ ضرر ممكن أن يحدث له هو التهجير.

وفي نظرة إلى مشروع حقوق الإنسان نرى أنَّ أيّاً من الاعتداءات التي ذكرت تسمح للمجتمع الذي وقعت بحقه أن يرفع دعوى انتهاك لحقوقه، حيث أنَّ تلك عملية فردية بطبعها. وقد أشار كوسكينيمي عن هذه الثغرة في معرض نقاشه حول حقوق الإنسان قائلاً:

دعونا نأخذ مثالاً طرحه جوزيف راز قال فيه: قد أقتني يوماً لوحة للفنان فان جوخ وعندها سيكون من واجبي أن أحافظ عليها من أي ضرر حتى إن لم يكن أحد يملك حق الانتفاع بها غيري(لأنَّ هذه اللوحة هي إرث عالمي).لكن في هذه الحالة لايوجد قوانين تجبرني على الحفاظ عليها من أجل حقوق العالم فيها أي أنَّ قيمة الفن لا يمكن أن يعبَّر عنها بلغة الحقوق فأهميته هنا لا تذكر مثل الأهمية التي تولى لنظافة البيئة في خضم نزاع يتعلق بتنفيذ عقد لمشروع صناعي كبير.[20]

بعد أكثر من ستين عاماً على تأسيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي من المفترض أنها واحدة من أقوى الأدوات في الدفاع عن حقوق الإنسان، لم تحرز نجاحاً يذكر في هذا المجال، الأمر الذي يلزم للمحامين الدوليين بالبحث في أسباب ذلك ومعالجة المسائل الأكثر الحاحاً في هذا الصدد وأن يتفكَّروا في الطبيعة الحقيقية للقانون الدولي.

  1. شهادات من عائلات بعض المحتجزين

      • الموجة الأولى من الاعتقالات التعسفيّة
بحسب أحد المصادر المحلّية في قرية “أبو شيخات” التابعة لمنطقة “المبروكة” في ريف رأس العين/سري كانييه، فقد حدثت عمليات الاعتقال الأولى بحق عدد من أبناء القرية، ومنهم “عبد الجليل معلّش – عازب وعمره 26 عام، وقريبه جهاد معلّش”، في الأيام الأولى لانطلاق عملية “نبع السلام”، وتحديداً من قبل الفرقة 20[21]، التابعة للجيش الوطني السوري/المرتبط بالحكومة السورية المؤقتة/المنبثقة عن الإئتلاف السوري المعارض. وأفادت المصادر نفسها، أنّ عملية الاعتقال تخللتها الاعتداء على الموقوفين بالضرب وبعض من أفراد عائلتهم (منهم نساء)، أمام مرآى من أهالي القرية، بعد أن قاموا بتطويق القرية ومصادرة بعض الجوالات.

ونفى أحد أفراد عائلة “عبد الجليل معلّش وقريبه جهاد معلّش”، أن يكونوا مقاتلين ضمن قوات سوريا الديمقراطية، وأضاف:

“كان عبد الجليل وجهاد” يعملون في الأعمال الحرّة؛ يقومون بأعمال العتالة أحياناً والرعي أحياناً أخرى، وقد تمّ اعتقالهم بلباسهم المدني، خلال عملية عسكرية لا ناقة لنا فيها ولا جمل. ولم يكونو مسلّحين أو منضوين لقوات سوريا الديمقراطية وغيرها، حتى أنّ القرية التي نقطن فيها لم تشهد عمليات عسكرية. لقد كان الأشخاص الذين قاموا بعمليات الاعتقال يستقلون سيارات نوع “مازدا” و “هوندا”، بالإضافة إلى بيك آب لم نستطع تحديد نوعها. وكان برفقتهم شخص اسمه “عبد الرحمن أبو محمد”، وهو الشخص الذي قام بعملية الاعتقال.”

وأضاف:

“بالنسبة لعملهم مع مؤسسات الإدارة الذاتية، فقد اقتصر على أعمالة المياومة، مثل كثر من الناس، حيث كانوا يعملون مع الإدارة الذاتية في أعمل التنظيف أحياناً، والحفر في أحيان أخرى، وبأجرهم اليومي. لقد انقطعت أخبارهم بعد ذلك، إلى أن عرفنا عن طريق محامي بعد حوالي ثلاثة أشهر بتواجدهم في الأراضي التركية في إحدى السجون.”

وختم بقوله:

“نحن متخوفين جداً من أحكام ظالمة من قبل الحكومة التركية، نحن عرب، ومنتشرين في هذا الجول/الفلا وليس لنا ناقة فيما يجري ولا جمل.”
قالت الوثائق التي تمّ الحصول عليها، ومنها محضر الادعاء بحق “عبد الجليل” و “جهاد معلش” أنّ عملية الاعتقال تمّت بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، (أي بعد عدّة أيام من التاريخ الحقيقي على يد فصائل معارضة)، ويبدو أن التاريخ الوارد في الوثائق هو تاريخ تسليم الأشخاص للحكومة التركية. كما أظهر الوثائق أسماء لمحتجزين آخرين في نفس الملف الخاص بـ”عبد الجليل” و “جهاد”، وهم (علي اسماعيل وباسم يونس وماجد نزال وسامر ملا وعدنان صباح وسالم ملا ومحمد محمود وعمر علي حسن).
  • اعتقال أشخاص آخرين بنفس الطريقة وإطلاق سراحهم بعد دفعهم رشاوى
“باسم عزيز يونس”، أحد المحتجزين الآخرين من قرية “أبو شيخات” في منطقة مبروكة، تمّ اعتقاله بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بحسب أحد أفراد عائلته، وقد تمّ اعتقال شقيه “بسام” في نفس الوقت. قال أحد أفراد عائلة “باسم” في معرض حديثه عن عملية الاعتقال ما يلي:

“كنّا في القرية أثناء عملية الاعتقال التي حدثت بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، في حوالي الساعة الواحدة ظهراً، وهم بلباسهم العادية، وهم بالأساس ليسوا مقاتلين أو مسلّحين. لقد تمّ اعتقالهم من قبل “الكتيبة 20” بقيادة شخص اسمو “أبو برزان”. لقد قاموا باقتحام القرية وأخذ “باسم” ولم يكن معهم أي جنود أتراك.

وأمّا بالنسبة لعمل “باسم” فقد كان يعمل كعامل عادي (عتّال) ولم يكن لديه أي صلات أو علاقات مع الإدارة الذاتية. لقد عرفنا بعد حوالي عشرة أيام بأنّه تم تحويله إلى الأراضي التركية، لاحقاً استطعنا التواصل معه من خلال أحد المحامين.”

أضاف المصدر:

“لقد تمّ اعتقال “باسم” بدون سبب، ونحن نتخوف من أحكام طويلة وجائرة بحقه، وحق باقي الموقوفين. وقد اعتقال أشخاص آخرين بنفس الطريقة، لكنّهم قاموا بدفع رشاوي للفصائل المسلّحة، والتي قامت بإطلاق سراحهم قبل نقلهم من قبل القوات التركية إلى داخل الأراضي التركية.”

قالت المعلومات الواردة في الوثائق التي تمّ الحصول عليها ومنها ورقة الادعاء بأنه تم القاء القبض على باسم و 9 أشخاص آخرين بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، (أي بعد 8 أيام من التاريخ الفعلي لعملية الاعتقال، وهو ما يرّجح وقوع عملية التسليم للقوات التركية في هذا التاريخ). وذكر الوثائق على أنّ الاعتقال حدث على خلفية عملية “نبع السلام” أثناء الاشتباكات الدائرة في قرية مبروكة وقد تم تسليمهم لوحدات الحدود (وهو ما يتنفى ويتناقض مع شهادات المصادر العائلة التي تمّ التواصل معها، والتي أكّدت أن عملية الاعتقال تمّت من القرية، ولم تحدث خلال أي اشتباكات).

لكن وفي المقابل، فقد قالت الوثائق أنّ المحتجز “باسم” اعترف أمام قاضي التحقيق، بأنه كان بدأ العمل في “مؤسسة المرور” (ترافيك لدى الإدارة الذاتية) في منتصف عام 2018، ولم يقم بأي اعمال مسلحة وقد هرب إلى قريته مباشرة بعد إلقاء الطائرات التركية مناشير تطلب الابتعاد عن المنطقة، وبعد سيطرة القوات التركية و”الجيش الوطني السوري” تمّ احتجاز “باسم” وآخرين في مدرسة بالقرب من مبروكة قبل تسليمهم للسلطات التركية.

وقد وردت أسماء أشخاص آخرين في ورقة الادعاء الخاصة بـ”باسم”، ومنهم (علي اسماعيل وعماد مصطفى الثلجي ومصطفى خليل ومحمد محمود وعمر علي حسن).

  • “لم يكن مسلّحاً ولم يتنمي لأي طرف مسلّح”
“إياد حمد شويش، مواليد العام 1998″، والدته “نجاح محمد” هو أحد الأشخاص الذين تمّ اعتقالهم في منطقة “أبو شيخات”، المبروكة أيضاً. وبحسب أحد المقرّبين من العائلة، فقد حدثت عملية الاعتقال من منزل “إياد” بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، في حوالي الساعة الواحدة ظهراً، وهو بلباسه المدني. وأضاف المصدر:

“لم يكن إيّاد مسلّحا، ولم ينتمى لأي فصيل عسكري، لا مع قوات سوريا الديمقراطية أو غيرها. وقد حدثت عملية الاعتقال من قبل “الفرقة 20″ بواسطة سيارات مموهة.”

وبحسب المصدر فإنّ “إياد” كان يعمل في الأعمال الحرّة، وينتظر أي عمل من أجل تأمين قوت يومه، ولم يكن تعامل أو يعمل مع الإدارة الذاتية. مضيفاً:

“لقد تمّ أخذه إلى “مبروكة” في البداية، وسمعنا بعد حوالي عشرة أيام أنّه تم تحويلهم إلى تركيا، واستطعنا التواصل معه بواسطة أحد المحامين، ولدينا مخاوف حقيقية من أحكام طويلة بحق أبنائنا، علماً أنّه تمّ اعتقال العشرات من قبل الفصائل وتم إطلاق سراحهم بعد أن دفعوا رشاوى للفصيل، فيما تمّ تسليم البعض الآخر إلى الجيش التركي، الذي قامو بتحويلهم إلى داخل الأراضي التركية.”

  • تم اعتقاله مع شقيقه
“بسام عزيز يونس”، شقيق المعتقل السابق “باسم عزيز يونس”، أحد الأشخاص الآخرين الذين تمّ اعتقالهم من قرية “أبو شيخات” في منطقة مبروكة، وذلك بحسب مصدر آخر من عائلة “بسام”، وبحسب المصدر فقد حدثت عملية الاعتقال من منزل العائلة الكائن في القرية، علماً أنّ بسام من مواليد العام 1995، وهو متزوج ولديه أربعة أطفال. حيث قال المصدر في هذا الصدد:

“تمّ اعتقال بسام بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، من منزل العائلة، أمام أهله وذويه، وذلك من عناصر مسلّحة من “الفرقة 20″ التابعة لفصائل المعارضة السورية المسلّحة، وبالأساس، لم يكن بسام مقاتلاً أو منضوياً تحت أي فصيل تابع للإدارة الذاتية.”.

نفى المصدر أنّ يكون هنالك أي جنود أتراك مرافقين لمقاتلي المعارضة السورية أثناء عملية الاعتقال، نافياً أنّ يكون “بسام” قد عمل أصلاً كموظف لدى الإدارة الذاتية أو أنّ يكون مسلحاً، مضيفاً في هذا السياق:

“عمل بسام في الأعمال الحرّة/أعمال المياومة المنتشرة في المنطقة. لاحقاً بعد عملية الاعتقال سمعنا أنّه تم تحويله إلى منطقة مبروكة، وبعدها إلى داخل الأراضي التركية بواسطة أحد المحامين. ونحن خائفون أنّ يقضي سنين عديدة في السجن.”

  • دور “الفرقة 20”
“علي إسماعيل صيّاح”، مواليد العام 1993، والدته “وضحة”، أحد أبناء قرية “أبو شيخات” ممن تعرّض للاحتجاز على يد “الفرقة 20″، وهي الجهة العسكرية التي عُرف لاحقاً أنّها مسؤولة عن جميع عمليات الاعتقال في القرية، بحسب أشخاص من القرية نفسها وأفراد من عائلة “علي”. حيث أفادوا في هذا السياق:

“نحن من المكون العربي، وعلي متزوج ولديه طفلة عمرها سنة. وقد حدثت عملية الاعتقال بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بين الساعة 10 و 11 صباحاً، وكان “علي” بلباسه المدني أثناء عملية الاعتقال. عرفنا لاحقاً أنّه من الفرقة 20، فقد تبيّن أنّهم مسوؤلون عن جميع عمليات الاعتقال التي حدثت في القرية، بواسطة سيارات دفع رباعي (أربعة أبواب)، كانوا ما بين 10 إلى 15 مقاتل من الفصائل المسلّحة. ولم يكن هنالك جنود أتراك مرافقين للمقاتلين المعارضين أثناء عملية الاعتقال.”

وأفاد المصدر أن “علي” كان يعمل مع الإدارة الذاتية، (بشكل يومي/أعمل حرة)، ولكنّه لم يحمل سلاحاً أو ينضم إلى تشكيل عسكري لهم. مضيفاً أنّهم عرفوا بتحويله إلى مقر عسكري في “مبروكة” ولاحقاً إلى الأراضي التركية. خاتماً قوله:

“لقد استطاع بعض الأشخاص توكيل محامي، ولكننا فقراء جداً وليست لدينا سيولة، وعلمنا بوجود ابننا في تركيا من خلال أهالي معتقلين آخرين.”

تقول المعلومات التي وردت في الوثائق، منها المعلومات الواردة في ورقة/مذكرة الادعاء بأنّه تمّ احتجاز “علي” و 9 آخرين بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، على خلفية عملية “نبع السلام” أثناء الاشتباكات الدائرة في قرية مبروكة قبل أنّ يتمّ تسليمهم إلى “حرس الحدود التركي”.

تتنافى هذه المزاعم مع شهادات الأهالي التي أكدّت أن عملية الاعتقال حدثت قبل هذا التاريخ ولم تتم أثناء وقوع أي اشتباكات عسكرية.

وأفادت الوثائق أيضاً، أن أشخاص آخرين (معتقلين مع علي) قالوا أنّ علي كان عضواً في جهاز الأسايش (الأمن الداخلي التابع للإدارة الذاتية) وهي التهمة التي نفاها علي بحسب ما ورد في الوثائق، مؤكداً على كون عمله في أعمال الحفر أحياناً والحراسة في أحيان أخرى.
أثناء إعداد هذا التقرير وجمع المعلومات والشهادات، وردتنا تحديثات جديدة تفيد بإصدار أحكام جائرة بحق ثلاثة من الحتجزين وهم: فهد اليونس ومحمد حميد صباح وجاسم سعيد الكسمو. وتمّ الحكم على المذكورين بالسجن المؤبد وفق المادة 302 من قانون العقوبات التركي. (علماً أنّ الحكم المذكور قابل للاستئناف).
      • معلومات إضافية وردت في الوثائق
اطلعت “اللجنة الكردية لحقوق الإنسان – الراصد” و “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على وثائق الادّعاء من قبل المدّعي العام التركي في أورفا (ŞANLIURFA CUMHURİYET BAŞSAVCILIĞI) والمرسلة إلى محكمة (ŞANLIURFA AĞIR CEZA MAHKEMESİNE) وهي تخصّ قضية فيها عشرة أشخاص منهم (عبد الجليل عبد الله معلّش وعلي إسماعيل صيّاح وباسم عزيز يونس). وقد تمّ توجيه التهم التالية لهم:
القتل العمد عن سابق الإصرار والتصميم.
الإخلال بوحدة البلاد ووحدة الأراضي التركية.
العضوية في تنظيم إرهابي مسلّح.

وأشارات الوثائق إلى بعض تواريخ الاعتقال، على أنّها وقعت بتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهو ما قد يعني أنّ السلطات التركية قد استلمت الأشخاص من فصائل المعارضة السوريّة بهذا التاريخ (رغم أنّ الأهالي أفادوا بحدوث عملية الاعتقال بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019).

أشارت الوثائق أيضاً أن عمليات الاعتقال حدثت وفق قرار محكمة الصلح الثالثة في أورفا رقم 2019/908، رغم أنّ شهادات الأهالي أكدّت عدم وجود أتراك أثناء عملية الاعتقال. (لاحقاً تمّ تحويلهم إلى محكمة الأحكام الثقيلة).

وذكرت الوثائق أيضاً أنّ توجيه الاتهامات تمّت وفق المواد 5273 و المواد 314/2 و 302/1 و 81/1-35 و 58 و 63 و المادة 3713 من قانون العقوبات التركي، والمادة 5/1 من قانون محكافحة الإرهاب التركي.

  1. ملحق:

أسماء تم توثيقها لمحتجزين سوريين تم تحويلهم إلى السجون التركية (من ضمن مجموعة الـ90 محتجز/وهي لا تتضمن المجموعات الأخرى من المحتجزين):



[1] التغريدة العربية كاملة: “أقبل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم، وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة والتي تقف جنبًا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم.”. الحساب الرسمي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على موقع التويتر (الحساب العربي). 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://twitter.com/rterdogan_ar/status/1181927322271830016

[2] التغريدة العربية كاملة: “القوات المسلحة التركية بالتعاون مع الجيش الوطني السوري تطلق عملية نبع السلام العسكرية في شمالي سوريا لتطهير المنطقة من منظمتي بي كي كي/ واي بي جي وداعش الإرهابيتين. هدفنا القضاء على الممر الإرهابي المراد تشكيله على حدودنا الجنوبية إحلال السلام والأمان في المنطقة.” الحساب الرسمي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على موقع التويتر (الحساب العربي). 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://twitter.com/rterdogan_ar/status/1181924104116621312

[3] “ملتزمون بمحاربة الإرهاب وتحرير سورية من الاستبداد والتنظيمات الإرهابية”. بيان صحفي، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية – سورية، دائرة الإعلام والاتصال. 08 تشرين الأول، 2019. (آخر زيارة للرابط 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019) (تم استخدام آخر تاريخ تمّ الإطلاع فيه على التقرير بسبب عطل في موقع الإئتلاف عند كتابة هذه الورقة بتاريخ 15 أيار/مايو 2020). https://www.etilaf.org/press/%D9%85%D9%84%D8%AA%D8%B2%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A9.html

[4] “الجيش الوطني السوري” ينهي استعداداته للمشاركة في عملية شرق الفرات”. موقع يني شفق التركي. 7 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://www.yenisafak.com/ar/news/3438458

[5] “دمج “الجيش الوطني” بـ”الجبهة”: خطوة سورية ضد من؟”. العربي الجديد. 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019). https://www.alaraby.co.uk/politics/2019/10/4/%D8%AF%D9%85%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D9%85%D9%86-1

[6] ” بيان بخصوص عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرق سوريا”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 19 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2019). https://stj-sy.org/ar/%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d8%ae%d8%b5%d9%88%d8%b5-%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d9%81/

[7] ” سوريا: أدلة دامغة على جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية والجماعات المسلحة المتحالفة معها”. منظمة العفو الدولية. 18 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/10/syria-damning-evidence-of-war-crimes-and-other-violations-by-turkish-forces-and-their-allies/

[8] “سوريا: انتهاكات بحق المدنيين في “المناطق الآمنة”. هيومن رايتس وتش. 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://www.hrw.org/ar/news/2019/11/27/336083.

[9] تقرير لجنة التحقيق الدولية. 28 كانون الثاني/يناير 2020. (مجلس حقوق الإنسان – الدورة الثالثة والأربعون – 24 شباط/فبراير – 20 آذار/مارس 2020). (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://undocs.org/ar/A/HRC/43/57

[10] أدلة إضافية تدعم مسؤولية “الجيش الوطني” عن إعدام السياسية الكردية هفرين خلف. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 10 كانون الأول/ديسمبر 2019. (آخر زيارة للرابط: 15 أيار/مايو 2020). https://stj-sy.org/ar/%d8%a3%d8%af%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%af%d8%b9%d9%85-%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d8%b4-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b7%d9%86%d9%8a/

[11] ” مناشدة من أجل التدخل لوقف محاكمات تعسفية بحق أكثر من 90 محتجزاً سورياً في السجون التركية”. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 29 نيسان/أبريل 2020. (آخر زيارة للرابط: 17 أيار/مايو 2020). https://stj-sy.org/ar/%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b4%d8%af%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ac%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%ae%d9%84-%d9%84%d9%88%d9%82%d9%81-%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%aa%d8%b9%d8%b3%d9%81/

[12] ” الولايات المتحدة وتركيا توافقان على وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا”. موقع البيت الأبيض. 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019. (آخر زيارة للرابط 7 تموز/يوليو 2020). https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/united-states-turkey-agree-ceasefire-northeast-syria/

[13] المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الانتهاكات حسب المادة والدولة، 1959-2019

[14] إريك أ. بوسنر، “مارتي كوسكينيمي حول حقوق الإنسان من منظور تجريبي”، في قانون المحامين الدوليين: قراءة مارتي كوسكينيمي، إد. ووتر فيرنر، وماريك دي هون، وأليكسيس غالان (مطبعة جامعة كامبريدج، 2017)، 121-36.

[15] مارتي كوسكينيمي: أستاذ في القانون الدولي بجامعة هلسنكي ومدير معهد إريك كاسترين للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كتب مقالات مستفيضة عن القانون الدولي من منظور نقدي. إريك بوسنر: أستاذ القانون بجامعة شيكاغو. تشمل اهتماماته البحثية التنظيم المالي والقانون الدولي والقانون الدستوري. فريديريك ميغريت أستاذ القانون بجامعة ماكغيل. وعلق على كتابات كوسكينيمي في مناسبات مختلفة.

[16] مارتي كوسكينيمي، من الاعتذار إلى اليوتوبيا: هيكل الحجة القانونية الدولية (إعادة إصدار مع خاتمة جديدة) (كامبريدج، المملكة المتحدة: مطبعة جامعة كامبريدج، 2006).

[17] مارتي كوسكينيمي، سياسة القانون الدولي، (أكسفورد، المملكة المتحدة: هارت، 2011).

[18] بوسنر: “مارتي كوسكينيمي حول حقوق الإنسان من منظور تجريبي”.

[19] كوسكينيمي: “سياسة القانون الدولي”.

[20] كوسكينيمي.

[21] تتبع “الفرقة 20” إلى “اللواء 144” ضمن “الفيلق الأول” في “الجيش الوطني السوري/المعارض”، يترأسها شخص يُدعى “أبو برزان السلطاني”.

التقارير الكيدية في تركيا وتبعاتها وصولاً لقرار الترحيل وكيف التعامل معهم ... قبل موسم الحصاد وبعده

الاعتقالات التعسفية بناء على التقارير الكيدية في تركيا ضمن حلقة #مباشر | #أحمد_رحّال .. لماذا اعتقل ؟ وما هو مصيره؟ #تفاصيل  #أورينت للمشاهد...

للإشتراك بموقعنا

Enter your email address:

Delivered by FeedBurner